يتجدد الحديث هذه الأيام حول جدوى المجالس البلدية مع الاستعدادات لإجراء ثاني انتخابات نصفية لهذه المجالس بعد مضي 6 سنوات على التجربة الأولى وخصوصا مع النتائج المتواضعة للمجالس البلدية بشكل عام؛ راجع مقال "أين الأمانة؟ ".
جرت الانتخابات البلدية الأولى في تاريخ المملكة عام 2005 م حيث تم انتخاب نصف الأعضاء لكل مجلس بينما قامت السلطات المعنية باختيار النصف الباقي على أن تكون مدة العضوية 4 سنوات. مددت العضوية لاحقا لسنتين إضافيتين بهدف تطوير نظام المجالس البلدية، حيث جرت الانتخابات البلدية الأولى وفق نظام قديم صدر منذ أكثر من 32 عاما لم يحدد المهام والأدوار القانونية للمجالس البلدية بشكل واضح مما تسبب في صراعات بين بعض الأعضاء ومسئولي الأمانات والبلديات التي تعمل في نطاقها. أعطي النظام القديم للناخب حق انتخاب عدد من المرشحين يوازي حجم الأعضاء الذين يدخلون المجلس عبر صناديق الاقتراع، مما تسبب في دخول التكتلات الانتخابية.
أعلنت الوزارة مؤخرا عن موعد بدء الموسم الانتخابي للمجالس البلدية في 22 أبريل 2011 م في دورتها الثانية وفق النظام الانتخابي الجديد والذي من أبرز ملامحه تحديد «صوت واحد» لكل ناخب، بمعنى أن الناخب يصوت لمرشح واحد من دائرته الانتخابية. لقد تم إعادة صياغة المهام والأدوار القانونية للمجالس البلدية في النظام الجديد على أمل تفادي الصراعات بين أعضاء المجالس البلدية ومسئولي الأمانات والبلديات التي تعمل في نطاقها. وقد أسندت الوزارة للمجالس البلدية الحالية دورا رقابيا في تنظيم الانتخابات في الدورة الثانية للمجالس الجديدة. وأعلنت اللجنة العامة للانتخابات انه لن يسمح للنساء بالتصويت في الانتخابات القادمة بحجة الحاجة لبعض الترتيبات التي لا يمكن إتمامها في كل مناطق المملكة.
يتركز الحديث الآن حول جدوى الترشح للمجالس البلدية وحتى جدوى التصويت لاختيار أعضاء هذه المجالس. وقد تفاوتت الآراء في ذلك بين مؤيد ومعارض لهذه الانتخابات. أود هنا استعراض بعض الآراء حول الموضوع:
• الأخ خلف الحربي في مقال بعنوان "لماذا انتخب؟ " نشر في «عكاظ» خلص إلى أن دور أعضاء المجلس البلدي في دورته الأولى كان هامشيا وليس واضحا للمواطنين حتى هذه اللحظة لدرجة أن المرشح مهما كانت قدراته لن يتمكن من الإجابة على سؤال صغير: «ما الذي ستفعله لي» كمواطن؟. الأخ خلف يرى أن المواطن بحاجة إلى مبرر قوي يقنعه بجدوى المشاركة من خلال مهام محددة واضحة المعالم تمكن عضو المجلس البلدي من تحقيق أهداف الناخبين.
• الأخ سعد الموسى في مقال بعنوان "لم تنجح المجالس البلدية الأولى لننتخب ثانية" خلص إلى أنه على يسار المنطقة الرمادية من اتخاذ القرار وفي منطقة أقرب لعدم المشاركة كمرشح أو ناخب. ويؤكد بأن المجالس في دورتها الأولى افتقرت إلى صلاحيات محددة وواضحة والى نظام قانوني في علاقتها بالبنية الرسمية الإدارية من أمناء أو رؤساء البلديات. ويتساءل ما الحاجة الاجتماعية من الدفع إلى عضوية المجلس البلدي إذا كان كل ما يوصون به أو يتشاورون من أجله سيكون رهنا لصلاحية فرد من المؤسسة الإدارية الرسمية؟ إذا كانت المجالس البلدية قاصرة عن أداء دورها الرقابي والتشريعي وإذا كانت هذه المجالس لا تمتلك صلاحيات واضحة منفصلة ومستقلة فلماذا أذهب كمواطن للصندوق في تجربة جديدة؟
• دعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى ضرورة تمكين جميع المواطنين دون استثناء من حقهم في الانتخاب ومنح صلاحيات أوسع لعمل المجالس البلدية بما يحقق الهدف المنشود من وجودها. وأكدت الجمعية دعمها للعملية الانتخابية وان فروعها ومكاتبها ستكون مفتوحة لرصد واستقبال أي شكاوى أو تظلمات وفق اختصاصها في تلقي الشكاوى ومتابعتها مع الجهات المختصة والتحقق من دعاوى المخالفات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان. وذكرت الجمعية في بيان لها أنها قبلت الدعوة التي تلقتها من اللجنة العامة للانتخابات للمشاركة في مراقبة الانتخابات البلدية والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة استشعارا منها بأهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات ومراقبة العملية الانتخابية بما يضمن نزاهتها.
بعد استعراضي لهذه الآراء يتضح بأن المواطن سيكون بين خيارين رئيسيين، فهو إما المشاركة "بالترشح أو التصويت" أو عدم المشاركة "لا للترشح ولا للتصويت"، فأي هذين الخيارين أجدى وأنفع؟
أنا أميل إلى ترجيح الخيار الأول ألا وهو خيار المشاركة لأن الانتخابات البلدية تعتبر تجربة فريدة في مجتمعنا وخطوة بسيطة باتجاه المشاركة الشعبية. باعتقادي أن عزوف الكفاءات المؤهلة عن الترشح لهذه الانتخابات وعزوف أهل الفكر والوعي والدراية عن التصويت سيفتح المجال أمام الغير مؤهلين أو أصحاب المصالح والرؤى الضيقة للدخول للمجالس البلدية مما سيؤدي إلى أوضاع أسوأ بكثير عما هو عليه الحال في الدورة السابقة.
الانتخابات البلدية تمثل بصيص أمل لتوسع أكبر في إشراك المواطن في صنع القرار، لذا علينا كمواطنين وكمسئولين رعاية هذه البذرة الصغيرة لتنموا وتترعرع على أمل أن تتطور مع الوقت لما نطمح إليه، ألا وهو الوصول بالعملية الانتخابية إلى أن تكون انتخابات لكامل الأعضاء وأن يصبح المجلس البلدي مجلس إدارة منتخب دوره الأساس هو إدارة البلديات والأمانات المختلفة كما هو معمول به في بلدان العالم المتطور، فنحن لسنا بأقل شأن منهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك في الحقل بالأسفل ، وذلك بعد اختيار عنوان URL ، واكتب بريدك الالكترواني مكان الرابط ، او يمكنك اختيار مجهول ، وكتابة اسمك ضمن التعليق ..