تستعد بلادنا العزيزة لخوض ثاني انتخابات للمجالس البلدية بعد مضي 6 سنوات على تلك التجربة الأولى من نوعها بالمملكة. بعد انتهاء أول انتخابات كتبت مقال بعنوان "الانتخابات البلدية.. آمال وتطلعات" تطرقت فيه إلى أهمية هذه الخطوة كونها تمثل بداية لمرحلة إشراك المواطن في صنع القرار. كون المجالس البلدية الأولى تأسيسية جعلها تتحمل مهام جسام لخصتها، حسب تقديري، في سبع مهام بالإمكان الإطلاع عليها في المقال السابق. أسعى في هذا المقال لتقييم التجربة الأولى بصفه عامة مع التركيز على مجلس محافظة القطيف.
واجه أعضاء المجالس البلدية عقبة أساسية وهي أن تشكيل هذه المجالس تم وفق نظام قديم مبني على المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 1397/2/21 هـ. حصر هذا النظام مهام هذه المجالس في الأمور الرقابية والاستشارية، ولم يضمن صفة التفرغ للأعضاء، كما منح صفة العضوية لرؤساء البلديات وإمكانية رئاستهم لهذه المجالس مما يتعارض مع دورها الأساسي. أرجوا أن تكون تعديلات الوزارة للنظام الحالي مصححه لهذه الإشكالات.
تفاوتت الأوضاع من مجالس تتبع لمحافظات تحظي بميزانيات ومشاريع كبيرة لذا انحصر عمل أعضائها في ترتيب الأولويات إلى مجالس صورية تسبح مع التيار لم تترك أثرا يذكر. كذلك تفاوت أعضاء المجالس من أعضاء فاعلين طرحوا أفكارهم وتفاعلوا مع باقي الأعضاء سعيا لتحقيق نتائج إلى أعضاء اقتصر دورهم على حضور بعض الاجتماعات وتوقيع المحاضر. مجلس القطيف هو الوحيد على مستوى المملكة الذي يتبع لمحافظة فقدت بلديتها كل إمكاناتها وكوادرها بعد إلحاقها بأمانة الدمام ولم يكن لها حتى ميزانية مستقلة.
من الإيجابيات حصول تفاعل مرضي بين أعضاء المجالس المنتخبين والمعينين بشكل عام كما تمييز بعض الأعضاء المعينين في أدائهم. واجه بعض المجالس صعوبات في التعامل مع الأمانات والبلديات التابعة لها كون دورها رقابي واستشاري بدرجة أولى لذا لم تتمكن بعض المجالس التأسيس بشكل مرضي لعلاقة التواصل البناء بين المجالس والمجتمع من جهة وبين المجالس والبلدية من جهة أخرى. استطاعت بعض المجالس التأسيس لعلاقة التواصل البناء فيما بينها لتبادل الخبرات والتنسيق في الأمور المشتركة.
أعتقد بأن بلدي القطيف هو من أبرز المجالس على مستوى المملكة رغم أنه لم يتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات على أرض الواقع لأسباب متعددة منها أنه مجلس تأسيسي تابع لبلدية بلا كوادر وبلا إمكانيات. استطاع مجلس القطيف التأسيس لنقلة نوعية في وضع بلدية المحافظة من خلال انجاز فصل ميزانيتها عن الأمانة. كذلك بدل أعضاءه جهودا كبيرة لتوفير ما يلزم من كوادر وإمكانات لتقوم البلدية بدورها المطلوب، وطالب بميزانية أعلى للمشاريع، وباسترجاع استراحات الأوجام لاستعمالها للمشاريع الحيوية، واسترجاع مشاتل المحافظة. فشل المجلس في تحقيق بعض مطالب المواطنين كالسماح ببناء دور الثالث بجميع مدن المحافظة وهو مطلب جوهري نظرا لشحة الأراضي وارتفاع أسعارها بشكل خيالي.
انجازات المجلس لم تلامس طموح المواطنين كما أن الاختلاف المعلن بين أعضاء المجلس في إسلوب التعامل مع البلدية بدرجة أولى عكست انطباع سيء لدى المواطنين. دل الاختلاف بين أعضاءه أولا على مستوى الحراك داخل هذا المجلس وثانيا على عدم تمكن البلدية من تحقيق المطالب بالصورة المقبولة. اختلاف وجهات النظر ليس مقلقا ولكن المقلق هو توظيف هذا الاختلاف لأهداف سلبية. كان من الأولى حصر الخلاف داخل أروقة المجلس ما أمكن والالتزام بصوت الأغلبية خارجه كما تقتضيه الممارسة الديمقراطية.
في الختام أوجه نداء لشركة أرامكو العملاقة والتي عمل فيها أبناء محافظة القطيف بجد ومثابرة لسنوات طويلة منذ تأسيسها وحتى وقتنا الحاضر باتخاذ قرارات عاجلة لدعم النمو العمراني بالمحافظة. جميع أراضي المحافظة واقعة ضمن محجوزات الشركة وكثير من مشاريع المحافظة الحيوية مثل المستشفيات والجامعات والأسواق المركزية ومقرات الأندية معطلة بسبب مشكلة الأراضي. خير مثال على ذلك تعطل مشروع مقر نادي الترجي رغم اعتماد ميزانيته بسبب عدم وجود الأرض، وكذلك تعثر المساهمات كمخطط الشبيلي الذي لم يتم حتى الآن إفراغ حجج الاستحكام للمواطنين رغم مضي أكثر من ست سنوات على المزاد الرسمي عليه بسبب مشكلة بين مطوري المخطط والشركة لا دخل للمواطنين بها.
كما اعلق على تصريحات معالي أمين الدمام وسعادة رئيس بلدية محافظة القطيف حول مشاريع المحافظة وهي في الواقع تكرار لتصاريح درجنا على سماعها لسنوات طويلة مع بعض التعديلات الطفيفة. المشاريع هي ذاتها سوق الأسماك المركزي والذي يبدوا انه بحاجة لعشر سنوات أخرى ليرى النور وتطوير لطرق المحافظة الذي لم يتعدى سوى تعديلات هنا وهناك لم تحل بصورة جوهرية مشاكل الحركة المرورية داخل المحافظة فالأزمة المرورية تتفاقم بشكل متسارع.
مواطني القطيف لاشك يقارنون نصيب محافظتهم من المشاريع بالمحافظات من حولهم وهذه المقارنة ليست بحاجة إلى أرقام وتقارير فالفارق كبير يراه سكان المحافظة يوميا في طريق ذهابهم وإيابهم بين المحافظات. هذا ليس حسدا منهم لباقي المحافظات ولكن طلبا للإنصاف والعدل، قال تعالى:﴿ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾، وليس محصورا فقط في الخدمات البلدية بل في جميع الخدمات التي تقدمها الوزارات الأخرى. خيرات البلد ليست حكرا على محافظة دون غيرها ولا فئة من المواطنين دون فئة أخرى وهذا ما يصرح به ويؤكد عليه قادة هذه البلاد الخيرة التي غطت خيراتها خارج الوطن والأقربون أولى بالمعروف.
لماذا جميع أسواق الخضار واللحوم بالمحافظة أسواق متهالكة لا تعكس التطور الحضاري الذي تعيشه المملكة؟ أين دور الأمانة في إيجاد أراضي للمشاريع الحيوية بالقطيف وأين دورها في بناء المرافق الأساسية؟ أين دور الأمانة في تطوير ضاحية القطيف في الوقت الذي بلغت فيه أسعار الأراضي السكنية بالمحافظة أرقاما فلكية قارب 2000 ريال للمتر المربع الواحد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك في الحقل بالأسفل ، وذلك بعد اختيار عنوان URL ، واكتب بريدك الالكترواني مكان الرابط ، او يمكنك اختيار مجهول ، وكتابة اسمك ضمن التعليق ..