الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

الكتل العمرانية... دماغ وقلب ورئة



الكتلة العمرانية تبدأ كتكتل من مجموعة بسيطة من المنازل ثم تتطور عبر الزمن إلى أن تصبح قرية أو بلدة أو مدينة تماما كما ينمو جسم الإنسان عبر مراحل حياته. يحتوي جسم الإنسان على مجموعة من الأجهزة تختلف حسب أهميتها في الحفاظ على نمو الجسم وسلامته من أهمها الدماغ والقلب والرئة، والكتل العمرانية تتشابه مع جسم الإنسان فهي أيضا يجب إن يكون لها دماغ وقلب ورئة سليمة كي تحافظ على نموها في الاتجاه الصحيح.
كانت الكتل العمرانية في الماضي تنمو وتتوسع عشوائيا دون وجود أي خطة توجه نموها توجيها سليما، غير أن الإنسان مع التطور العلمي أدرك أهمية وجود خطة لتوجيه ذلك النمو في الاتجاه الصحيح الذي يخدم حاجات السكان وأنماط الحركة المختلفة داخل كل كتلة عمرانية من جهة والبينية مع الكتل العمرانية المجاورة من جهة أخرى.
ويتمحور الدماغ في الكتلة العمرانية في البلدية والأمانة كما هو حال الدماغ في جسم الإنسان، فان الدماغ السليم في الكتل العمرانية يستلم المعلومات ويحللها ثم يضع الخطط ويصدر الأوامر. كما يتمحور القلب في المركز التجاري، كما هو شأن القلب في جسم الإنسان، فان القلب السليم في الكتل العمرانية يتم فيه النشاط التجاري داخل كل كتلة عمرانية من جهة والبينية مع الكتل العمرانية المجاورة من جهة أخرى. أما الرئة في الكتلة العمرانية فتتمحور في المتنزهات ومدن الألعاب والأماكن العامة، كما هو الحال مع الرئة السليمة في جسم الإنسان، فان الرئة في الكتل العمرانية يتركز فيها النشاط الاجتماعي داخل كل كتلة والبينية مع الكتل العمرانية المجاورة من جهة أخرى.
هل يوجد لدينا أجهزة دماغ وقلب ورئة سليمة في كل قرانا وبلداتنا ومدننا؟
أستطيع الجزم، أنه على الرغم من وجود بعض المحاولات لتوفير تلك الأجهزة في بعض مدننا، إلا أننا نفتقد حتى الآن لمثل هذه المقومات الأساسية في كتلنا العمرانية حيث يندر أن تجد دراسات تخطيطية تحدد نمط النمو في السنوات العشرين القادمة مثلا، وحتى في حالة وجودها فإنها تكون في الغالب خطط قديمة عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة للتطبيق العملي، فعندما تدخل أي من مدننا لا تجد دماغ بل تجد في الغالب مكتبا لإصدار تراخيص البناء في مخططات متجاورة لا ترابط بينها، كما لا تجد قلبا نابضا بل شوارع بأنشطة تجارية مبعثرة ويندر أن تجد متنزهات ومدن ألعاب وأماكن عامة بالقدر الكافي الذي يستوعب النمو في الأنشطة الاجتماعية المختلفة إضافة إلى ذلك فان بعض قرانا وبلداتنا تتلاصق مع بعضها البعض بشكل عشوائي نتيجة للنمو الطبيعي الغير مدروس مما يؤدي إلى تكون مدينة تفتقر الى دماغ وقلب ورئة سليمة أو حتى اسم موحد يحتويها.
وهنا أتوجه لمقام وزارة الشئون البلدية والقروية بالمقترحات التالية:
أولا: الإسراع في تزويد الأمانات والبلديات بما تحتاجه من الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية والموارد المالية الكافية لتمكينها من القيام بدورها المطلوب لكي تتمكن من وضع خطط عمرانية لعموم القرى والبلدات والمدن تتم مراجعتها بصفة دورية لضمان التحديث المستمر لها وكذلك وضع الآليات المطلوبة لضمان تطبيق هذه الخطط على أرض الواقع.
ثانيا: العمل على إيجاد مراكز تجارية حديثة واضحة المعالم في كل قرية وبلدة ومدينة وكذلك إيجاد مراكز مصغرة في الأحياء الكبيرة داخل المدن لتسهيل حصول الأهالي على احتياجاتهم اليومية دون عناء أو تزاحم. وهنا أحب أن أؤكد على ضرورة الحفاظ على مراكز المدن القديمة ان وجدت على ما هي عليه مع بعض التنظيم لتكون أحد المعالم السياحية في تلك المدن، كما أؤكد على أهمية النظر للبلدات المتلاصقة على كونها مدينة وليدة ووضع خطط دمج لها وتسمية جديد تجمعها.
ثالثا: العمل على إيجاد متنزهات مركزية وأخرى فرعية وواجهات بحرية ومدن للألعاب والأماكن العامة في كل قرية وبلدة ومدينة وكذلك إيجاد مساحات رياضية مصغرة في الأحياء الكبيرة داخل المدن لخدمة الأهالي.
لقد سلكت بلادنا العزيزة سلم التطور ولا ينقصنا المال ولا الكفاءات فجميعها متوفرة ولله الحمد وما نحتاجه هو حسن إدارة وتوجيه للموارد المالية والبشرية والاستفادة منها بأقصى ما يمكن وذلك سيمكننا إن نشاء الله من النهوض بكتلنا العمرانية لتضاهي مثيلاتها في البلدان المتقدمة والبلدان الخليجية.

السبت، 27 أغسطس 2011

لنتمدد عمودياً ... لا أفقياً



حبى الله بلادنا العزيزة مساحات شاسعة من الأراضي، حيث تعتبر بلادنا من أكبر الدول العربية والإسلامية. نتيجة لذلك وتوفر الإمكانيات المادية طغى الإتجاه للتوسع العمراني الأفقي وخصوصا في زمن الطفرة.
التمدد العمراني الأفقي يغلب عليه بناء منازل كبيرة من دور او دورين بفناء خارجي واسع. يتطلب هذا النوع من التمدد مساحات شاسعة من الأراضي تتناسب مع النمو السكاني وصرف اموال طائلة لتمديد الشوارع والمرافق العامة. بالنسبة للسكان يوفر هذا النوع خصوصية أكثر للعائلات بتكلفة عالية. أما التمدد العمراني العمودي فيغلب عليه بناء مباني متعددة الأدوار تحتوي علي منازل مختلفة الاتساع. يتطلب هذا النوع من التوسع مساحات اقل بكثير من الأراضي مقارنة بالتمدد الأفقي وصرف اموال اقل بكثير لتمديد الشوارع والمرافق العامة. بالنسبة للسكان يوفر هذا النوع خصوصية أقل للعائلات بتكلفة أقل.
أحب الإجابة بعد هذه المقدمة الموجزة على السؤال التالي: أيهما الأجدى والأنفع لبلادنا التمدد العمراني الأفقي أم العمودي؟
ربما كان التمدد الأفقى هو الأفضل في الماضي القريب لتوفر الأراضي بأسعار معقولة وانخفاض اعداد سكان المدن كثيرا عما هو عليه الآن وتوفر الأمكانيات لخدمة هذا النوع من التمدد. أضف الى ذلك غياب خطة مستقبلية لحجم النمو العمراني وكيفية احتوائه. إلا انه في السنوات الأخيرة اصبح واضحا صعوبة الإستمرار في التمدد الأفقي وجدوى الإتجاه للتمدد العمودي لأسباب منها:
- الزيادة المطردة لأعداد سكان المدن من مواطنين ومقيمين.
- إرتفاع تكلفة البناء نتيجة للتضخم العالمي.
- إرتفاع تكلفة تطوير المخططات الجديدة نتيجة للتضخم واشتراطات وزارة الشئون البلدية والقروية، إضافة الى إحتكار ما هو متوفر منها للبناء، ما أدى الى إرتفاع اسعار الأراضي من سكنية وتجارية إلى أسعار غير مسبوقة.
- قلة توفر المخططات السكنية الجديدة وخصوصا في المنطقة الشرقية لعدة أسباب منها حجز أراضي شاسعة لأعمال إنتاج البترول وما يتبعها من خطوط أنابيب وخلافه، وتعثر كثير من المخططات المعتمدة لأسباب مختلفة، وتملك واحتكار مساحات شاسعة من الأراضي وإبقائها دون تطوير.
- صعوبة التنقل داخل المدن الرئيسية مثل الرياض وجدة نتيجة لإتساعها المطرد بحيث يتطلب قطع عشرات الكيلومترات للإنتقال من مكان لآخر داخل هذه المدن.
لقد بدأت الأجهزة المختصة الخطوات الأولى في الاتجاه للتمدد العمودي واستصدرت قوانين جديدة لتسهيل ذلك منها السماح ببناء ابراج عالية في المدن الرئيسية وبتعدد الأدوار في بعض المدن ونظام تملك الشقق السكنية. أتمنى ان يعمم هذا الاتجاه بحيث يشمل كل المدن لمواكبة متطلبات النمو السكاني مع الإستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا الاتجاه.
تشجيع الاتجاه للتمدد عموديا أصبح ضرورة ملحة لمواجهة إفرازات محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني. كما أن هذا الاتجاه يساعد على حماية ماتبقى من الأراضى الزراعية ومنع الدفن الجائر للبحر الذي سبب بدوره القضاء على أشجار القرم وتدمير البيئة البحرية الطبيعية ومناطق توالد وتكاثر الثروة السمكية. أضف إلى ذلك أن الاتجاه للتمدد العمودي سيخفف الضغط على الأراضي ما سيؤدي الى إنخفاض أسعارها وتوفر فرصة أكبر من الأراضي لإقامة المشاريع الحيوية.
أختم مقالي هذا بالتأكيد على أن التوجه إلى التمدد عموديا يتطلب إعادة تأهيل للمرافق العامة والشوارع لزيادة استيعابها لتواكب الزيادة المتوقعة للكثافة السكانية وأعداد السيارات وحركة المرور. كما أننا بحاجة إلى تصاميم هندسية مبتكرة لتوفير القدر الأكبر من الخصوصية داخل هذه المباني المتعددة الأدوار وهذا من الممكن تحقيقه. لقد إطلعت مؤخرا على تجربة نمساوية في هذا الصدد بعنوان: منزلي هو فنائي، المصدر: البوابة العربية للأخبار المعمارية، حيث تم تصميم مبنى سكني تجاري متعدد الأدوار يتألف من منازل بأنماط مختلفة جاءت كبديل حقيقي عن المنازل المنفصلة للحد من ظاهرة "الامتداد العمراني" الأفقي وتخفيف الحاجة للذهاب أبعد من حدود المدينة. التصميم الجديد يوفر منازل صغيرة يحظى كل منها بفناء خاص به محجوب تماما عن المنازل الملاصقة له.

الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

منزلي ... كيف أصممه ؟




في بلادنا العزيزة كان تصميم المنزل وحتى عهد قريب لا يستغرق سوى سويعات ويتم في الهواء الطلق. المتعارف عليه أن يتفق صاحب الأرض مع رئيس فرقة بناء يطلق عليه سابقا "استاد" على بناء منزله. في صبيحة يوم البدء في البناء يأتي "الاستاد" مع فرقته وصاحب المنزل مع بعض وجوه الحي ويبدأ "الاستاد" بعد معرفة المتطلبات والتشاور مع الحضور بتخطيط المنزل على الأرض وحفر الأساسات.
بالرغم من بساطة تصاميم المنازل القديمة الا أنها تتمتع بنظام متكامل تتوارثه الأجيال يعتمد على مواد بناء محلية من أحجار بحرية، وطين بحري وجص، وجذوع وأوراق النخيل والأشجار. قدمت أجيالنا الماضية معالجات بيئية ذكية أسهمت إلى حد كبير في خلق توافق بيئي بين المباني وما حولها. اهتم القدماء بتوجيهات المباني، واستخدام الأفنية الداخلية، والمشربيات، وملاقف الهواء، والعناية بأشكال وأحجام النوافذ والفتحات، واستعمال الحوائط السميكة، وجعل المباني متلاصقة ومتقاربة، إضافة إلى الاستفادة من النباتات في التكييف البيئي وتقليل وطأة الظروف المناخية. إن المزايا البيئية - الاقتصادية التي اتصفت بها عمارتنا المحلية سابقا هي تطبيقات مبكرة لمفهوم "العمارة المستدامة الخضراء" المطبقة حاليا في الدول الصناعية المتقدمة.
لا شك أن الوضع تغيير تماما وأصبح التصميم أكثر تعقيدا وبحاجة إلى موافقة رسمية ومكتب هندسي ومواد بناء متعددة ومعقدة من محلية ومستوردة. لقد مرت بلادنا بكثير من التغييرات الغير مدروسة منها استنساخنا لأفكار عمرانية دون النظر في مدى موائمتها لبيئتنا. بالرغم من الإمكانات العلمية إلا أن منازلنا الحديثة تفتقر إلى مقومات التوافق مع المحيط من حولها، فهي مكشوفه للخارج وللشمس، وفاقده للهوية التي عانى قدمائنا للوصول إليها. أصبح التركيز في منازلنا الحديثة على التوزيع الداخلي المريح والمنظر الخارجي الجميل ونسينا الجوهر.
نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الأساليب الحالية للبناء من خلال الاستفادة من مفهوم "العمارة المستدامة الخضراء" والتي من أهم أهدافها توفير منازل مريحة وفق الإمكانات المادية المتاحة دون الأضرار بالبيئة سواء اثناء فترة الإنشاء او الاستخدام. من أهم الطرق المؤدية إلى ذلك هو التحول في مفاهيمنا في بناء المنازل إلى الصداقة مع البيئة من خلال تبني أفكار ودروس من العمارة التقليدية من منظور بيئي - اقتصادي ودراستها وتطويرها وتوظيفها في المباني الحديثة بما يتلاءم مع احتياجات العصر.
يعاني الكثير منا أثناء تصميم منازلهم، فالبعض يدفع مبالغ كبيرة لإحدى المكاتب الهندسية لقاء الحصول على تصميم لمنزله، ولكنه يفاجأ بعد شروعه في البناء، لضعف خبرته، بحجم المبنى الكبير، والفراغات الضائعة، والواجهات ذات التفاصيل المعقدة المكلفة عند الإنشاء والتشغيل والصيانة. البعض الآخر يبني منزلا من دور واحد حسب الإمكانات المتاحة "وهذا شيء جيد" لكنه ينسى أو يتغافل عن تصميم المنزل بطريقة تمكنه من التوسع بسهولة في المستقبل سواء أفقيا أو عموديا. يفاجأ هذا البعض عندما يذهب لمكتب هندسي لبناء دور علوي بأن تصميم سقف الدور الأرضي لا يتناسب مع رغباته في تصميم الدور العلوي من حيث مواقع الجسور أو قوتها وغير ذلك.
منزلي كيف أصممه سؤال يواجه الكثيرين، ما يجعله أكثر إلحاحا ارتفاع التكاليف بشكل غير مسبوق، واضطرار الكثيرين لإجراء تعديلات مكلفة في منازلهم لاحقا لاستيعاب اسر ابنائهم نتيجة الغلاء الفاحش للعقار وبالتالي الايجارات. أغلب الأسر تتجه لبناء منزل من دور أو دورين دون الأخذ في الاعتبار بان كل أسرة تمر بدورات حياتية تتغير على ضوئها متطلباتها في السكن. كل أسرة بحاجة في بدء نشأتها إلى منزل بسيط بعدد محدود من الغرف تتزايد مع قدوم الأطفال وتكاثر عددهم. بعد نضج الأطفال وزواجهم فإنهم يستقلون بعد تكوينهم لأسر جديدة وتبدأ حاجة الأسرة الأصلية للغرف تقل تدريجيا وربما تضطر، لظروف مادية أو غيرها، لفصل أقسام من المنزل لتوفير سكن مستقل للأسر الجديدة.
فيما يلي بعض الأفكار التي ينبغي مراعاتها عند تصميم أي منزل:
- أن يكون تصميم المنزل وفق المنظور المحتمل لنمو الأسرة وتطور احتياجاتها عبر الزمن. التنفيذ ربما يتم على مراحل وفق حاجة الأسرة في كل مرحلة.
- يوجد ثلاثي مهم في حياة الأسرة وهي غرف المعيشة والمطبخ والطعام كونها المكان الدائم اليومي للقاء أفراد الأسرة. يجب إعطاء أهمية بالغة لهذا الثلاثي من حيث الموقع والسعة والجودة واتصالها المباشر ببعض.
- في حال كون المنزل من دور واحد يتم اختيار أهدأ ركن في المنزل لغرف النوم مع مراعاة إمكان تحويلها بسهولة، قدر الإمكان، إلى استخدامات أخرى عند بناء دور علوي.
- عدم المبالغة في مساحات أقسام المنزل المختلفة مع محاولة تحديد بعض الأقسام للاستخدامات المتعددة حسب الحاجة.
- أصبح المجلس اقل استعمالا، بسبب التغيرات التي طرأت على المجتمع، لذا يكتفي بمجلس واحد معقول المساحة لاستقبال الضيوف واستعمال الصالة للنساء عند الضرورة.
- مراعاة سهولة تعديل التصميم بدون كلفة عالية عبر الدورة الحياتية للأسر بتنسيق مواقع الأعمدة والجدران الحاملة، قدر الإمكان، واستعمال فواصل سهلة الإزالة بين أقسام المنزل، واختيار مكان مناسب للدرج يسهل الوصول إليه من خارج المنزل. أيضا مراعاة امكانية تعديل الدور العلوي الى شقق منفصلة، عند الحاجة، لاستيعاب الأبناء بعد زواجهم مستقبلا بأقل تكلفة ممكنة.
- مراعاة قوة التربة المزمع البناء عليها وإجراء الاختبارات الضرورية لتحديد الأساسات المناسبة مع الاهتمام بمعالجة التربة وحماية الأساسات بالمواد العازلة.
- اختيار مواد بناء مناسبة لبيئتنا تشمل مواد العزل الحراري.
- عمل التصاميم بطريقة تسهل إجراء اعمال الصيانة اللاحقة بسهولة قدر الإمكان.
أختم مقالي هذا بالتأكيد على أهمية الدراسة المتأنية لتصميم المنازل خصوصا مع ارتفاع كلفة البناء الباهضة. دور المكتب الهندسي محوري في الشأن الفني، إلا ان دور صاحب المنزل هو أيضا محوري فهو أدرى باحتياجاته. التصميم المتميز بحاجة إلى صاحب منزل قادرا على تحديد متطلباته وإيصالها إلى المصمم، ومصمم قادر على تفهم حاجات صاحب المنزل ومناقشتها للوصول إلى تصميم عملي صديق للبيئة في حدود الامكانيات. الملاحظ ان كثيرين يحاولون ضغط ميزانية التصاميم ويستعجلون استكمالها مما يدخلهم في متاهات التغييرات المكلفة أثناء وبعد فترة البناء والنتيجة قد لا تكون مرضية لهم تماما. لاشك أن دفع مبالغ كبيرة للمكاتب الهندسية يتطلب في المقابل اهتمام اكبر من تلك المكاتب في اختيار المهندسين الأكفاء وبجودة العمل واتقانه.

الاثنين، 22 أغسطس 2011

شرايين الحياة في المناطق العمرانية



شرايين الحياة في المناطق العمرانية تتمثل في وسائل النقل المختلفة ومنها الشوارع والطرق السريعة التي تستوعب الحركة المرورية داخل الكتل العمرانية والبينية بين الكتل العمرانية والدول المختلفة. يركز مقالي هذا على الطرق السريعة في المنطقة الشرقية.
بداية ظهور الطرق السريعة في المنطقة الشرقية كان في اواخر القرن الهجري الماضي «السبعينات من القرن الميلادي الماضي» عندما نفذت وزارة النقل ما يعرف حاليا بطريق ابو حدرية السريع الرابط بين ابو حدرية وطريق الظهران – الأحساء «هذا الطريق مد لاحقا جنوبا الى جسر الملك فهد المتجه الى البحرين». بعدها ببضع سنوات تم تنفيذ طريق الجبيل – الظهران السريع الموازي الى الشرق لطريق ابو حدرية مع شوارع خدمة على جانبيه في منطقة ذات كثافة سكانية عالية.
بقي طريق ابو حدرية على وضعه وبدون صيانة تذكر لسنوات طويلة حيث تآكل مع الوقت وكثرت فيه الحفر. مؤخرا اكملت وزارة النقل مد طريق ابو حدرية السريع شمالا ليصل الى الخفجي على حدود الكويت، واتبعت ذلك باعادة انشاء وتوسعة وانارة طريق ابو حدرية القديم «العمل جاري حتى الآن» مع انشاء شوارع خدمة واضافة بعض الجسور في منطقة ذات كثافة سكانية عالية. طريق ابو حدرية اصبح الآن شريان رئيسي يبدأ من الخفجي على حدود الكويت شمالا وينتهي بجسر الملك فهد المتجه الى البحرين جنوبا. كذلك بقي طريق الجبيل - الظهران على وضعه وبدون صيانة تذكر لسنوات طويلة حيث تآكل مع الوقت وكثرت فيه الحفر. في السنوات القليلة الماضية أعادت وزارة النقل انشاء الطريق واضافة بعض الجسور «العمل جاري حتى الآن» كما عملت أمانة المنطقة الشرقية على انارته.
ما يميز الطريقين انهما الشريانين الرئيسين الوحيدين اللذين يربطان مدن وبلدات المنطفة الشرقية، واخص بها المدن والبلدات الواقعة بين الجبيل وابو حدرية شمالا والظهران جنوبا. كان الطريقان عند تنفيذهما خارج النطاق العمراني لهذه المدن، اما الآن فاصبحا يشقان مناطق عمرانية ذات كثافة سكانية عالية وخصوصا المنطقة الواقعة بين القطيف والظهران.
لن اركز في مقالي هذا على ما اصاب هذين الطريقين من اهمال لسنوات طويلة ولكن احب ان الفت النظر الى ان كلا الطريقين مضى على تنفيذهما اكثر من ثلاثون سنة. وعند اضافة فترة الدراسة والتخطيط والتصميم والاعتمادات المالية والمناقصات يكون تصميم الطريقين اعتمد على احصاءات قديمة للحركة المرورية وعلى افكار تخطيطية مضى عليها مايزيد على اربعين سنة. لذا تجد ان بعض الجسور والمخارج على هذين الطريقين لم تعد قادرة على استيعاب الحركة المرورية وخصوصا فترات الذروة. خير مثال على ذلك المخرج من طريق الجبيل – الظهران المتجه لميناء الدمام والخبر ومطار الظهران القديم، هذا المخرج صمم بمسار واحد لكن اصبح الآن شبه مشلول في فترات الذروة لأن حجم الحركة عليه تتطلب اكثر من ثلاثة مسارات ما ادى الى اختناقات مرورية شديدة وحوادث سير تحتاج الى تدخل وزارة النقل لوضع حلول عاجلة لها.
مشكلة أخرى هي ما يجرى الآن من سوء تنسيق وفوضى اثناء عملية اعادة انشاء الطريقين ادت الى تقليل القدرة الاستيعابية للشريانين الرئيسيين الوحيدين بنسبة كبيرة نتيجة لتتابع التحويلات عليهما وعدم الاهتمام الكافي بتوفير تحويلات تتناسب بشكل مقبول والحركة اثناء فترات الذروة وبالرقابة المرورية في مناطق التحويلات لمنع التجاوزات والسرعة الزائدة.
على الرغم من اهتمام وزارة النقل بوضع ضوابط للسلامة المرورية في الطرق الجديدة واثناء مرحلة الصيانة «راجع موقع الوزارة الالكتروني» الا ان هذه الضوابط لا تطبق بشكل دقيق. اضافة الى ان تزامن اعمال اعادة الانشاء والتحسين في كلا الطريقين اديا الى ارباك شديد للحركة المرورية في منطقة ذات كثافية مرورية عالية. ما زاد من المشكلة تزامن اعمال وزارة النقل مع اعمال أمانة المنطقة الشرقية التي ادت الى اغلاق متزامن ايضا لشوارع حيوية مهمة في الدمام لانشاء جسور وانفاق لمجموعة تقاطعات رئيسية ادت الى تحويل بعض الحركة العابرة من داخل الدمام الى الطريقين السريعين.
أتمنى من وزارة النقل وأمانة المنطقة الشرقية اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع القائم وتقليل المخاطر التي يتعرض لها مستخدمي هذه الطرق منها الآتي:
1- تنسيق تنفيذ مشاريع الطرق ومحاولة اعادة جدولتها بهدف التقليل من الارباك الحاصل للحركة المرورية.
2- التقليل من عدد التحويلات وعدم السماح بأكثر من تحويلة في مكان واحد مع تحسين وضعها لزيادة الاستيعاب قدر الامكان.
3- منع الشاحنات من السير فترات الذروة على طريق ابو حدرية في التحويلة الواقعة عند تقاطعه مع طريق الرياض – الدمام مع ابقاء المنع وتشديده على طريق الجبيل - الظهران.
4- تكثيف الرقابة المرورية في فترات الذروة وخصوصا عند التحويلات.
5- محاولة الاسراع في تنفيذ مشاريع الطرق في المناطق المكتظه قدر الامكان بالعمل المتواصل 24 ساعة يوميا.
6- تفادي اعادة انشاء الطرق من خلال برنامج صيانة دوري وقائي يعالج تشققات طبقات الاسفلت وتكوين الحفر فيها وبالتالي تلف طبقات الأساس للطرق.
7- اعادة دراسة تصميم الطريقين ومحاولة ايجاد حلول سريعة للأجزاء التي لم تعد قادرة على استيعاب الحركة المرورية مع الأخذ بالاعتبار التغييرات في الحركة المرورية في المدى المنظور.
أختم مقالي باقتراح موجه الى وزارة النقل وأمانة المنطقة الشرقية لدراسته يتلخص في التالي: هناك حركة مرورية بينيه مركزة في المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية الواقعة بين رأس تنورة شمالا مرورا بالقطيف والدمام الى الخبر والظهران جنوبا. هذا الوضع بحاجة لالتفاتة لدراسة امكانية انشاء طريق سريع بالمسار المقترح التالي:
1- يبدأ الطريق من رأس تنورة ويمتد شرقا بجسر معلق بين رأس تنورة وجزيرة تاروت «في المنطقة الواقعة بين بلدتي سنابس والزور».
2- يتفرع الطريق في جزيرة تاروت الى طريقين، طريق يمتد شرقا الى شارع أحد بالقطيف، وآخر يمتد جنوبا الى شارع الرياض.
3- يستمر الطريق جنوبا بجسر معلق بين جزيرة تاروت والدمام «جسر دارين - حاليا تحت الدراسة».
4- يمتد الطريق جنوبا عبر الدمام ليتصل بالطرق السريعة بين الدمام والخبر والظهران.
تنفيذ مثل هذا الطريق السريع سيسهل ويختصر المسافة بين المدن والبلدات التي يمر بها ويوزع الحركة المرورية بشكل افضل ويخفف من الضغط المتنامي على الطرق والشوارع الحالية ويحد من الأخطار والحوادث المرورية. اضافة الى ذلك، يمكن أن يمثل هذا الطريق معلم سياحي وترفيهي مهم للمنطقة الشرقية.
وانا اكتب مقالي هذا قرأت خبرا اسعدني وهو ان أمانة المنطقة الشرقية نظمت ورشة عمل حول تطوير خدمات نظم النقل العام شملت تطوير وتنظيم مستوى خدمات النقل في الشرقية بانشاء خطوط حافلات مع خطوط قطارات ثقيلة أو خفيفة لخدمة الحركة داخل وبين مدن الشرقية. اتمنى ان تشتمل الدراسة لحركة النقل هذه امكانية تنفيذ الطريق السريع المقترح بحيث يشتمل على مسار لاحد خطوط قطار الركاب المقترح.

السبت، 20 أغسطس 2011

تأهيل مراكز المدن بالسعودية



في مقال سابق بعنوان "الكتل العمرانية... دماغ وقلب ورئة" تحدثت عن حاجة قرانا وبلداتنا ومدننا لدماغ وقلب ورئة سليمة من اجل الحفاظ على نمو هذه الكتل وسلامتها. أحب في هذا المقال التركيز على إحدى الفقرات التي وردت في المقال السابق "... ضرورة الحفاظ على مراكز المدن القديمة إن وجدت على ما هي عليه مع بعض التنظيم لتكون أحد المعالم السياحية في تلك المدن... ". أركز في هذا المقال على طرح أفكار لتطوير المنطقة المركزية القديمة بمدينة القطيف كأنموذج.
مدينة القطيف هي المركز الإداري لمحافظة القطيف الموغلة في القدم حيث يعود تاريخ سكناها إلى أكثر من 5000 سنة. اشتهرت المحافظة بكونها واحدة من اكبر الواحات الزراعية في بلادنا العزيزة وكانت تغطي اراضيها حتى وقت قريب مساحات واسعة من غابات النخيل والمزارع التي تميزت بعطاء وفير غطى كثير من مناطق دول الخليج العربي المختلفة. كما تميزت القطيف بتراث عريق في فن العمارة وخير مثال على ذلك قلعة القطيف التي قدمت أفضل انموذج لفن العمارة الخليجي بسورها وأبراجها العالية ومبانيها وأزقتها المميزة ولكنها مع الأسف أصبحت أثرا بعد عين.
مثلت القطيف منذوا القدم مركز تجاري هام على شاطئ الخليج العربي وكانت حلقة تجارية هامة بين الهند ودول الخليج ومدن الداخل في بلادنا العزيزة. المنطقة المركزية بمدينة القطيف كانت وحتى عهد قريب المركز التجاري للمنطقة الشرقية حيث كانت تعج بالحركة والنشاط التجاري ومقصد للتجار والمتسوقين خصوصا من أهالي المدن الواقعة بين الجبيل والظهران.
قلب مدينة القطيف القديم هو المنطقة الممتدة من شارع الخليفة عمر بن الخطاب شمالا إلى شارع جعفر الخطي جنوبا، ومن شارع الفتح شرقا إلى شارع الإمام علي بن أبي طالب غربا. يشق هذه المنطقة شارع الملك عبد العزيز من الشمال إلى الجنوب وشارع الإمام الصادق من الشرق إلى الغرب وطرق فرعية أخرى. يوجد داخل هذه المنطقة سوق مياس الشهير واسواق ومحلات متعددة لبيع جميع أنواع الملابس والحلي والأجهزة والمواد الغذائية غير ذلك. كما يتواجد فيها ثلاثة أحياء سكنية قديمة وهي مياس والمدارس والشريعة إضافة إلى بعض الورش والمستودعات.
تميزت الحركة التجارية في القطيف قديما بالتنوع والتخصص فتجد السكك «اسم يطلق على الأسواق المسقوفة» مجزأة إلى أقسام كل قسم يخصص للتجارة في صنف معين كبائعي الأقمشة وبائعي الأعشاب «الحواجين - بمقام صيدلي في العصر الحاضر» وبائعي الذهب «الصاغة» وهكذا. كما تجد بجانب هذه السكك تفرعات لأسواق مخصصة لبيع الدهن واخرى لبيع الأسماك وثالثة لبيع التمور والمنتجات الزراعية الأخرى ورابعة للمواشي وهكذا. إضافة لذلك تجد في السوق القديمة أقسام مخصصة للحرفيين كالخبازين والصفارين والحدادين والقلاليف «النجارين» والقفاصين وصانعي السلال والحصر «المفارش» والقطانين والفخارين والمحسنين «الحلاقين» والاسكافيين «الخرازين» وهكذا اضافة إلى المقاهي الشعبية.
نتيجة للتطور العمراني الغير مدروس اختفت معظم معالم سوق القطيف القديمة تماما وبقيت ذكراها الطيبة في نفوس من رآها وعايشها. وتجد تعبير بعض المواطنين عن الحنين لتلك الحياة الممتعة تتجسد بمحاولة احياء بعض عناصرها التي لا تنسى كقهوة الغراب بحي الشريعة.
باعتقادي إن تطوير المنطقة المركزية القديمة بمدينة القطيف يجب إن يعكس الواقع الحضاري للمنطقة بجميع عناصره التاريخية والتراثية والاقتصادية مع إدخال بعض عناصر الحداثة الايجابية. يتم ذلك من خلال إعادة انشاء بعض العناصر التاريخية مثل "السكة العودة" و"سوق الجبلة" التاريخي، والتراثية كطراز الفن المعماري والمقاهي الشعبية، والاقتصادية كالحرف الشعبية والصناعات القديمة. فيما يلي بعض الأفكار لتطوير المنطقة المركزية القديمة بمدينة القطيف لتكون أحد المعالم السياحية في بلادنا العزيزة:
1» إنشاء نفق لمرور السيارات على امتداد شارع الملك عبد العزيز، من تقاطعه مع شارع جعفر الخطي إلى تقاطعه مع شارع الخليفة عمر بن الخطاب، وإعادة إنشاء "السكة العودة" فوق هذا النفق كما كانت عليه سابقا مع إنشاء تفرعات الأسواق والمقاهي الشعبية.
2» إنشاء نفق لمرور السيارات على امتداد شارع جعفر الخطي، من تقاطعه مع شارع الملك عبد العزيز إلى تقاطعه مع شارع ابن المغترب، وإعادة إنشاء "سكة الحرية" فوق هذا النفق كما كانت عليه سابقا.
3» إعادة إنشاء "سوق الجبلة" التاريخي في موقعها السابق «مواقف سوق الخضار حاليا».
4» نقل سوق واقف إلى موقع "سوق الجبلة" ونقل جميع الحرف الشعبية المتواجدة في نواحي المدينة ومحاولة إعادة إحياء المندثر منها لتمارس تجارتها داخل هذه الأسواق المعاد إنشائها كمعالم جذب سياحية.
5» إزالة كل المباني القديمة المبنية بالطابوق ونقل الورش والمستودعات لتوفير مواقع لبعض المنشآت التراثية والخدمية ومواقف جديدة للسيارات ومساحات خضراء لخدمة السياح ورواد السوق.
6» تخصيص موقع ضمن المنطقة المركزية لإنشاء متحف يحكي التأريخ والتراث الخليجي وموقع آخر لفندق أو فندقين لخدمة السياح.
7» إعادة تأهيل واجهات المباني الحديثة المبنية بالطابوق بإعطائها واجهات ذات صبغة تراثية تقليدية.
8» إخلاء حي مياس واعادة تأهيل مبانيه من الداخل والخارج بصبغة تراثية تقليدية واستخدام بعضها كنماذج للطراز المعماري الخليجي واستعمال البعض الآخر كمطاعم ومقاهي شعبية ومحلات بيع خفيفة متنوعة. بعد نجاح التجربة يتم دراسة إمكانية تحويل حيي المدارس والشريعة لنفس الاستخدام.
9» إضافة موقع سوق السمك للجملة، بعد نقلها لموقعها الجديد، كمواقف للسيارات وساحة خضراء ومتنفس لمركز المدينة الجديد.
10» إعادة إنشاء أسواق مغلقة ومكيفة للأسماك «مفرق» واللحوم والدجاج والفواكه والخضار.
11» إعادة تأسيس بعض وسائل النقل القديمة لخدمة حركة النقل داخل السوق كمعلم سياحي.
12» إعادة تنظيم حركة المرور في المنطقة المركزية لتتواءم مع التغييرات في ترتيب الشوارع مع منع سيارات التموين من دخول المنطقة المركزية في أوقات الذروة.
لاشك إن هذه الأفكار بحاجة إلى دراسة متعمقة مع الاستعانة بخبراء في التراث الخليجي يتم على ضوئها وضع خطة شاملة للمنطقة المركزية القديمة بما فيها مواصفات ومعايير لشكل المباني من الداخل والخارج والشوارع والأزقة والساحات. التنفيذ يجب إن يتم على مراحل مع الأخذ في الاعتبار عدم إرباك الحركة التجارية الحالية.