السبت، 27 أغسطس 2011

لنتمدد عمودياً ... لا أفقياً



حبى الله بلادنا العزيزة مساحات شاسعة من الأراضي، حيث تعتبر بلادنا من أكبر الدول العربية والإسلامية. نتيجة لذلك وتوفر الإمكانيات المادية طغى الإتجاه للتوسع العمراني الأفقي وخصوصا في زمن الطفرة.
التمدد العمراني الأفقي يغلب عليه بناء منازل كبيرة من دور او دورين بفناء خارجي واسع. يتطلب هذا النوع من التمدد مساحات شاسعة من الأراضي تتناسب مع النمو السكاني وصرف اموال طائلة لتمديد الشوارع والمرافق العامة. بالنسبة للسكان يوفر هذا النوع خصوصية أكثر للعائلات بتكلفة عالية. أما التمدد العمراني العمودي فيغلب عليه بناء مباني متعددة الأدوار تحتوي علي منازل مختلفة الاتساع. يتطلب هذا النوع من التوسع مساحات اقل بكثير من الأراضي مقارنة بالتمدد الأفقي وصرف اموال اقل بكثير لتمديد الشوارع والمرافق العامة. بالنسبة للسكان يوفر هذا النوع خصوصية أقل للعائلات بتكلفة أقل.
أحب الإجابة بعد هذه المقدمة الموجزة على السؤال التالي: أيهما الأجدى والأنفع لبلادنا التمدد العمراني الأفقي أم العمودي؟
ربما كان التمدد الأفقى هو الأفضل في الماضي القريب لتوفر الأراضي بأسعار معقولة وانخفاض اعداد سكان المدن كثيرا عما هو عليه الآن وتوفر الأمكانيات لخدمة هذا النوع من التمدد. أضف الى ذلك غياب خطة مستقبلية لحجم النمو العمراني وكيفية احتوائه. إلا انه في السنوات الأخيرة اصبح واضحا صعوبة الإستمرار في التمدد الأفقي وجدوى الإتجاه للتمدد العمودي لأسباب منها:
- الزيادة المطردة لأعداد سكان المدن من مواطنين ومقيمين.
- إرتفاع تكلفة البناء نتيجة للتضخم العالمي.
- إرتفاع تكلفة تطوير المخططات الجديدة نتيجة للتضخم واشتراطات وزارة الشئون البلدية والقروية، إضافة الى إحتكار ما هو متوفر منها للبناء، ما أدى الى إرتفاع اسعار الأراضي من سكنية وتجارية إلى أسعار غير مسبوقة.
- قلة توفر المخططات السكنية الجديدة وخصوصا في المنطقة الشرقية لعدة أسباب منها حجز أراضي شاسعة لأعمال إنتاج البترول وما يتبعها من خطوط أنابيب وخلافه، وتعثر كثير من المخططات المعتمدة لأسباب مختلفة، وتملك واحتكار مساحات شاسعة من الأراضي وإبقائها دون تطوير.
- صعوبة التنقل داخل المدن الرئيسية مثل الرياض وجدة نتيجة لإتساعها المطرد بحيث يتطلب قطع عشرات الكيلومترات للإنتقال من مكان لآخر داخل هذه المدن.
لقد بدأت الأجهزة المختصة الخطوات الأولى في الاتجاه للتمدد العمودي واستصدرت قوانين جديدة لتسهيل ذلك منها السماح ببناء ابراج عالية في المدن الرئيسية وبتعدد الأدوار في بعض المدن ونظام تملك الشقق السكنية. أتمنى ان يعمم هذا الاتجاه بحيث يشمل كل المدن لمواكبة متطلبات النمو السكاني مع الإستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا الاتجاه.
تشجيع الاتجاه للتمدد عموديا أصبح ضرورة ملحة لمواجهة إفرازات محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني. كما أن هذا الاتجاه يساعد على حماية ماتبقى من الأراضى الزراعية ومنع الدفن الجائر للبحر الذي سبب بدوره القضاء على أشجار القرم وتدمير البيئة البحرية الطبيعية ومناطق توالد وتكاثر الثروة السمكية. أضف إلى ذلك أن الاتجاه للتمدد العمودي سيخفف الضغط على الأراضي ما سيؤدي الى إنخفاض أسعارها وتوفر فرصة أكبر من الأراضي لإقامة المشاريع الحيوية.
أختم مقالي هذا بالتأكيد على أن التوجه إلى التمدد عموديا يتطلب إعادة تأهيل للمرافق العامة والشوارع لزيادة استيعابها لتواكب الزيادة المتوقعة للكثافة السكانية وأعداد السيارات وحركة المرور. كما أننا بحاجة إلى تصاميم هندسية مبتكرة لتوفير القدر الأكبر من الخصوصية داخل هذه المباني المتعددة الأدوار وهذا من الممكن تحقيقه. لقد إطلعت مؤخرا على تجربة نمساوية في هذا الصدد بعنوان: منزلي هو فنائي، المصدر: البوابة العربية للأخبار المعمارية، حيث تم تصميم مبنى سكني تجاري متعدد الأدوار يتألف من منازل بأنماط مختلفة جاءت كبديل حقيقي عن المنازل المنفصلة للحد من ظاهرة "الامتداد العمراني" الأفقي وتخفيف الحاجة للذهاب أبعد من حدود المدينة. التصميم الجديد يوفر منازل صغيرة يحظى كل منها بفناء خاص به محجوب تماما عن المنازل الملاصقة له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك في الحقل بالأسفل ، وذلك بعد اختيار عنوان URL ، واكتب بريدك الالكترواني مكان الرابط ، او يمكنك اختيار مجهول ، وكتابة اسمك ضمن التعليق ..