الجمعة، 16 سبتمبر 2011

دعوها تتنفس


في الماضي القريب عندما تتحدث عن المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية فإنك تتحدث عن التوأمين الموغلين في القدم منطقتي القطيف والأحساء كأهم المناطق المأهولة بها. في مقال سابق بعنوان "معوقات النمو في محافظة القطيف... وحلولها" ذكرت أنه مع اكتشاف البترول بدأت نهضة عمرانية في عموم بلادنا العزيزة وان مساحة محافظة القطيف تقلصت شيئا فشيئا إلى حدود الواحة الزراعية أو أقل من ذلك حتى أصبحت الآن ثاني أصغر محافظة من حيث المساحة على مستوى المنطقة الشرقية مع أن ترتيبها الثالثة على مستوى المنطقة الشرقية من حيث تعداد السكان وفق آخر تعداد سكاني رسمي.

محافظة القطيف اليوم تكاد تختنق نتيجة لتوسع المحافظات الأخرى على حسابها وما زاد من تعقيد المشكلة المساحة الكبيرة من الأراضي التي استغلت لتطوير حقل القطيف وحفر الآبار البترولية ومد أنابيب بترول عملاقة عبر المحافظة في كل الاتجاهات لربط حقول البترول والمعامل الرئيسية المختلفة بميناء رأس تنورة. كل ذلك أدى إلى ظهور مشكلة محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني بالمحافظة بشكل كبير في مقابل نمو مطرد في السكان ومتطلبات النمو السكاني. محدودية الأراضي أدى إلى ارتفاع شديد في أسعارها مقارنة بالمحافظات الأخرى.

لقد تضررت محافظة القطيف في عدة أوجه منها تعثر كثير من المشاريع الحيوية رغم وجود ميزانيات معتمدة لبعضها مثل المستشفيات والجامعات والأسواق المركزية ومقرات الأندية، وكذلك تعثر المساهمات. لقد أصبح المواطنون في القطيف ضحية لأنظمة لم تنصفهم حيث أنه من الصعوبة بل والاستحالة في بعض الأحيان إخراج حجج استحكامات لبيوتهم ومزارعهم رغم وقوعها داخل حدود الواحة القديمة ووجود أوراق وربما حجج استحكامات قديمة صادرة من جهات رسمية تثبت تملكهم لتلك الأراضي.

شوارع القطيف المحورية واجهت نفس المشكلة فتجد فكرة مد شارع الرياض غربا إلى طريق الجبيل وإلى طريق أبو حدرية تتعثر نتيجة لوجود أنابيب البترول وكذلك شارع صفوى - القطيف يتأخر تنفيذه لسنوات طويلة لنفس المشكلة وعقبات أخرى كنزع ملكية العقارات الواقعة على مساره.

خلصت دراسة أجراها باحث سعودي ونشرتها "صحيفة عكاظ" مؤخرا بأن المنطقة الشرقية احتلت المرتبة الرابعة من بين إحدى عشر منطقة وطنياً في الحاجة للسكن المملوك، وهو ما يدل على أن الحاجة للسكن «المملوك» في الشرقية أكثر إلحاحا مقارنة بمعظم مناطق المملكة. وخلصت الدراسة إلى وجود حاجة ماسة للسكن لدى الشرائح الفقيرة المقيمة في 7 محافظات في المنطقة الشرقية هي حفر الباطن والخبر والأحساء والدمام والقطيف والجبيل والخفجي.

وقد كشفت الهيئة العامة للإسكان مؤخرا بأن عدد الوحدات السكنية التي تنفذ حاليا والتي تحت الترسية في مختلف مناطق المملكة بلغ حتى الآن أكثر من «15.891» وحدة سكنية منها «1،501» وحدة في المنطقة الشرقية، موزعة على ثلاثة مشاريع هي مشروع حفر الباطن بعدد «900» وحدة سكنية، ومشروع الخبر بعدد «272» وحدة سكنية، ومشروع الأحساء بعدد «329» وحدة سكنية.

أرجوا أن لا تعيق مشكلة الأراضي بمحافظة القطيف مرة أخرى تنفيذ مثل هذه المشاريع الحيوية التي هي بأمس الحاجة إليها خصوصا مع إعلان أمانة الدمام مؤخرا بأنها لم تسلم هيئة الإسكان أية أراضي لتنفيذ مشاريع الوحدات السكنية للمواطنين في القطيف والدمام بسبب عدم توفر أية مواقع، وتصريح الهيئة بأن توفير الأراضي اللازمة لبناء وحدات سكنية للمواطنين هو من مسئولية الأمانة. أرجوا أن تقوم الأمانة باللازم لحل هذا الإشكال في القريب العاجل.

محافظة القطيف بحاجة ماسة للاهتمام والتعاون بين وزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة البترول لإيجاد حلول عاجلة لندرة الأراضي القابلة للتطوير بالمحافظة. الحل ينبغي أن يشمل إعادة النظر في حدود محافظة القطيف وتوسيعها شمالا وغربا بشكل يتماشى مع حاجات النمو السكاني الطبيعي على المدى المنظور، وإعادة النظر في قوانين البناء المعمول بها حاليا بالمحافظة، وكذلك الحد من الآثار الناتجة من وجود المنشآت البترولية.

ينبغي التحرك الجاد من أمانة الدمام بتطوير ضاحية القطيف، واستعادة أراضي استراحات الأوجام لاستعمالها كمواقع لبعض المشاريع الحيوية الملحة، واختيار مواقع أخرى غرب المحافظة لتطويرها كمدن جديدة لتستوعب النمو العمراني المتوقع خصوصا مع تقلص مساحة خليج تاروت نتيجة للدفن الجائر والقرار الحكيم بوقف دفن البحر. يحدوني الأمل بأن تلقى هذه الدعوة عناية المسئولين وأن تأخذ طريقها للتنفيذ بالسرعة الممكنة لما فيه من تحقيق المصلحة العامة.

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

دعوها تتكاثر




الثروات الطبيعية هي أحدى المقومات الرئيسية للدول، وقد حبا الله سبحانه وتعالى بلادنا العزيزة بثروات وافرة من زراعة وأسماك ونفط وغاز. ما يؤسف له التأثير السلبي الكبير الذي أحدثه اكتشاف النفط والغاز الناضب على الثروات المتجددة كالأسماك نتيجة للردم الغير مقنن للسواحل والصيد الجائر، والزراعة نتيجة لإهمالنا لهذه الثروة وتوجهنا لوظائف أسهل وذات دخل أفضل أو نتيجة للجفاف.
البحر ثروة طبيعية فهو مصدر غذائي هام ومصدر لمياه الشرب وخصوصا في دول الخليج العربي. نفوق الأسماك ظاهرة كونية يتكرر حدوثها في كثير من البلدان لأسباب متفاوتة تشمل التالي:
• ظاهرة المد الأحمر: ظاهرة طبيعية معروفة في العالم على تفاوت في قوتها، تحدث نتيجة لتكاثر الطحالب البحرية فتحجب الضوء والهواء مما يتسبب في نقص الأكسجين الذائب في مياه البحر وبالتالي نفوق الأسماك. بسبب هذه الظاهرة تلقي الأمواج بكميات متفاوتة من الأسماك على امتداد السواحل غطت عام 2000 ميلادية عدة كيلومترات من سواحل منطقة البركة في خليج عمان.
• ارتفاع درجات الحرارة: ظاهرة طبيعية معروفة وخطورتها تزداد في المياه الضحلة المغلقة وشبه المغلقة. مع ارتفاع الحرارة تتكون تيارات مائية ساخنة وتتبخر المياه السطحية وتزداد الملوحة ما يسبب ضيقا للأسماك الصغيرة فتنفق.
• رمي المخلفات في البحر: نتائجه شديدة الخطورة وخصوصا في البحار المغلقة وشبه المغلقة وله عدة أمثلة منها رمي البواخر للمخلفات الضارة كالمواد الكيماوية، والتسرب النفطي وتسرب المياه العادمة الغير معالجة من المصانع ومحطات الصرف والتحلية.
• الكوارث الطبيعية: خير مثال على ذلك ما حدث مؤخرا على شواطئ كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية من نفوق أعداد ضخمة من الأسماك نتيجة لأمواج تسونامي اليابانية.
ماذا عن مشكلة نفوق الأسماك بمحافظة القطيف "خليج تاروت"؟ وما العمل لحماية الثروة السمكية؟
الخليج العربي من أغنى المواقع بالثروة السمكية وشواطئ القطيف من أخصب المواقع على مستوى العالم لما تتميز به من كثافة في أشجار القرم "المانجروف" ومياه وتربة مناسبة لتوالد وتكاثر الأسماك. هذه الشواطئ تعرضت للزحف العمراني ما أدى إلى تدمير أغلب أشجار القرم. كذلك فإن مياه الخليج قليلة العمق وقد أدى الردم في الشريط الممتد من الخبر مرورا بالدمام والقطيف الى رأس تنورة ان أصبحت المياه ضحله جدا في أغلب مناطقه الساحلية وخصوصا خليج تاروت شبه المغلق.
كشف تقريرا نشرته مؤخرا جريدة أرامكو السعودية "القافلة" بأن أشجار القُرم المنتشرة على شواطئ القطيف لم يبق منها إلا 10% فقط من إجمالي غابات القرم الأصلية، أي أن 90% من اصل 622 هكتارا من مساحة الغطاء الذي كانت تشكله أشجار القرم في خليج تاروت فقدت في العقود الماضية بفعل التلوث والردم الجائر والتجريف والتنمية العمرانية. تسبب ذلك في القضاء على المكونات الطبيعة والبيئات البحرية العريقة وبالتالي القضاء على نوعيات معينة من الأسماك والروبيان.
أشجار القرم تلعب دورا كبيرا في حماية السواحل من الأمواج العالية، وحماية مياه البحر بحجز المواد الملوثة والأوساخ المجروفة من اليابسة، فضلا عن أهميتها في خلق التوازن البيئي بدءا من جذورها المتشابكة المغمورة في المياه إلى أوراقها الكثيفة المكشوفة للهواء. هذه الأشجار هي إحدى "الكائنات المنتجة الأولى" لسلسلة الغذاء، وتلعب دورا هاما في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتوفير الأكسجين الضروري للإنسان والحيوان.
أغلب الظن أن النفوق المتكرر للأسماك في محافظة القطيف هو بسبب الردم المستمر للشواطئ ما أدى الى ضحالة عمق المياه فيها وازدياد تأثير ارتفاع درجات الحرارة الشديد عليها. ما حدث في القطيف مؤخرا هو نتيجة لإغلاق حوض بحري ضحل بالردم دون وجود فتحات بسعة كافية لضمان حركة تدوير المياه مما تسبب في نقص كميات الأكسجين وبالتالي نفوق الأسماك.
علينا كمواطنين ومسئولين مهام كبيرة للحفاظ على البيئة البحرية بما تحتوية من ثروات طبيعية فهى إرثنا للأجيال القادمة، يقول تعالى: "كلوا واشربوا من رزق الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين". يتم ذلك بالإلتزام بعدة أمور أهمها التالي:
• وضع إستراتيجية للشواطئ تشمل التوقف عن ردم البحر لأغراض التمدد العمراني، مع السماح بردم البحر في نطاق محدود جدا لإقامة المنشآت الحيوية كالمستشفيات والمتاحف والجسور والواجهات البحرية ومختلف المنشآت السياحية/الترفيهية. يلزم ذلك عمل دراسات بيئية من قبل ذوي الاختصاص لضمان حماية البيئة البحرية وما تبقى من أشجار القرم.
• العمل على إيجاد أراضى بديلة واسعة لحل مشكلة التمدد العمراني في محافظة القطيف من خلال إنشاء مدن جديدة غرب المحافظة على امتداد طريق أبو حدرية.
• العمل على حماية ما تبقى من أشجار القرم من الانقراض مع زراعة المزيد منها على امتداد شواطئ المنطقة، والعمل على حماية البحر من التلوث وتكثيف الرقابة على المخالفين.
• دراسة ظاهرة نفوق الأسمك المتكررة لتحديد الأسباب بشكل علمي دقيق واتخاذ الاجراءات التصحيحية المناسبة لمنع أو التقليل من حدوثها.
• علينا كأفراد فهم القوانين المعنية بحماية البيئة والعمل على تطبيقها ومنها عدم رمي المخلفات على الشواطئ وفي الحدائق والشوارع. علينا أن نعي بأن الحفاظ على البيئة واجب ديني وأخلاقي يعكس ثقافة المجتمع ووعيه.
• على الشركات التوقف عن رمي المخلفات كالأخشاب والعلب الفارغة وأكياس البلاستك وغيرها في البحر لما تسببه من دمار للبيئة البحرية ومناطق تغذية الأسماك.
• على الصيادين استخدام الأدوات الصديقة للبيئة والتوقف عن الصيد الجائر ورمي المخلفات وشباك الصيد والحبال في عرض البحر.
أخيرا دعوها تتكاثر فاستمرار ردم البحر وما يتبعه من تدمير أشجار القرم، إضافة للصيد الجائر وزيادة معدلات التلوث البحري، كل ذلك يشكل تهديد خطيرا وكبيرا على حياة الكائنات البحرية ومخزون الثروة السمكية. علينا أن نطبق ونلزم الآخرين بتطبيق القوانين واللوائح الدولية الملزمة لحماية البيئة البحرية من الدمار كونها احد مصادر الثروة الغذائية الهامة لبلادنا العزيزة

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

الانتخابات البلدية إلى أين ؟؟



يتجدد الحديث هذه الأيام حول جدوى المجالس البلدية مع الاستعدادات لإجراء ثاني انتخابات نصفية لهذه المجالس بعد مضي 6 سنوات على التجربة الأولى وخصوصا مع النتائج المتواضعة للمجالس البلدية بشكل عام؛ راجع مقال "أين الأمانة؟ ".
جرت الانتخابات البلدية الأولى في تاريخ المملكة عام 2005 م حيث تم انتخاب نصف الأعضاء لكل مجلس بينما قامت السلطات المعنية باختيار النصف الباقي على أن تكون مدة العضوية 4 سنوات. مددت العضوية لاحقا لسنتين إضافيتين بهدف تطوير نظام المجالس البلدية، حيث جرت الانتخابات البلدية الأولى وفق نظام قديم صدر منذ أكثر من 32 عاما لم يحدد المهام والأدوار القانونية للمجالس البلدية بشكل واضح مما تسبب في صراعات بين بعض الأعضاء ومسئولي الأمانات والبلديات التي تعمل في نطاقها. أعطي النظام القديم للناخب حق انتخاب عدد من المرشحين يوازي حجم الأعضاء الذين يدخلون المجلس عبر صناديق الاقتراع، مما تسبب في دخول التكتلات الانتخابية.
أعلنت الوزارة مؤخرا عن موعد بدء الموسم الانتخابي للمجالس البلدية في 22 أبريل 2011 م في دورتها الثانية وفق النظام الانتخابي الجديد والذي من أبرز ملامحه تحديد «صوت واحد» لكل ناخب، بمعنى أن الناخب يصوت لمرشح واحد من دائرته الانتخابية. لقد تم إعادة صياغة المهام والأدوار القانونية للمجالس البلدية في النظام الجديد على أمل تفادي الصراعات بين أعضاء المجالس البلدية ومسئولي الأمانات والبلديات التي تعمل في نطاقها. وقد أسندت الوزارة للمجالس البلدية الحالية دورا رقابيا في تنظيم الانتخابات في الدورة الثانية للمجالس الجديدة. وأعلنت اللجنة العامة للانتخابات انه لن يسمح للنساء بالتصويت في الانتخابات القادمة بحجة الحاجة لبعض الترتيبات التي لا يمكن إتمامها في كل مناطق المملكة.
يتركز الحديث الآن حول جدوى الترشح للمجالس البلدية وحتى جدوى التصويت لاختيار أعضاء هذه المجالس. وقد تفاوتت الآراء في ذلك بين مؤيد ومعارض لهذه الانتخابات. أود هنا استعراض بعض الآراء حول الموضوع:
• الأخ خلف الحربي في مقال بعنوان "لماذا انتخب؟ " نشر في «عكاظ» خلص إلى أن دور أعضاء المجلس البلدي في دورته الأولى كان هامشيا وليس واضحا للمواطنين حتى هذه اللحظة لدرجة أن المرشح مهما كانت قدراته لن يتمكن من الإجابة على سؤال صغير: «ما الذي ستفعله لي» كمواطن؟. الأخ خلف يرى أن المواطن بحاجة إلى مبرر قوي يقنعه بجدوى المشاركة من خلال مهام محددة واضحة المعالم تمكن عضو المجلس البلدي من تحقيق أهداف الناخبين.
• الأخ سعد الموسى في مقال بعنوان "لم تنجح المجالس البلدية الأولى لننتخب ثانية" خلص إلى أنه على يسار المنطقة الرمادية من اتخاذ القرار وفي منطقة أقرب لعدم المشاركة كمرشح أو ناخب. ويؤكد بأن المجالس في دورتها الأولى افتقرت إلى صلاحيات محددة وواضحة والى نظام قانوني في علاقتها بالبنية الرسمية الإدارية من أمناء أو رؤساء البلديات. ويتساءل ما الحاجة الاجتماعية من الدفع إلى عضوية المجلس البلدي إذا كان كل ما يوصون به أو يتشاورون من أجله سيكون رهنا لصلاحية فرد من المؤسسة الإدارية الرسمية؟ إذا كانت المجالس البلدية قاصرة عن أداء دورها الرقابي والتشريعي وإذا كانت هذه المجالس لا تمتلك صلاحيات واضحة منفصلة ومستقلة فلماذا أذهب كمواطن للصندوق في تجربة جديدة؟
• دعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى ضرورة تمكين جميع المواطنين دون استثناء من حقهم في الانتخاب ومنح صلاحيات أوسع لعمل المجالس البلدية بما يحقق الهدف المنشود من وجودها. وأكدت الجمعية دعمها للعملية الانتخابية وان فروعها ومكاتبها ستكون مفتوحة لرصد واستقبال أي شكاوى أو تظلمات وفق اختصاصها في تلقي الشكاوى ومتابعتها مع الجهات المختصة والتحقق من دعاوى المخالفات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان. وذكرت الجمعية في بيان لها أنها قبلت الدعوة التي تلقتها من اللجنة العامة للانتخابات للمشاركة في مراقبة الانتخابات البلدية والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة استشعارا منها بأهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات ومراقبة العملية الانتخابية بما يضمن نزاهتها.
بعد استعراضي لهذه الآراء يتضح بأن المواطن سيكون بين خيارين رئيسيين، فهو إما المشاركة "بالترشح أو التصويت" أو عدم المشاركة "لا للترشح ولا للتصويت"، فأي هذين الخيارين أجدى وأنفع؟
أنا أميل إلى ترجيح الخيار الأول ألا وهو خيار المشاركة لأن الانتخابات البلدية تعتبر تجربة فريدة في مجتمعنا وخطوة بسيطة باتجاه المشاركة الشعبية. باعتقادي أن عزوف الكفاءات المؤهلة عن الترشح لهذه الانتخابات وعزوف أهل الفكر والوعي والدراية عن التصويت سيفتح المجال أمام الغير مؤهلين أو أصحاب المصالح والرؤى الضيقة للدخول للمجالس البلدية مما سيؤدي إلى أوضاع أسوأ بكثير عما هو عليه الحال في الدورة السابقة.
الانتخابات البلدية تمثل بصيص أمل لتوسع أكبر في إشراك المواطن في صنع القرار، لذا علينا كمواطنين وكمسئولين رعاية هذه البذرة الصغيرة لتنموا وتترعرع على أمل أن تتطور مع الوقت لما نطمح إليه، ألا وهو الوصول بالعملية الانتخابية إلى أن تكون انتخابات لكامل الأعضاء وأن يصبح المجلس البلدي مجلس إدارة منتخب دوره الأساس هو إدارة البلديات والأمانات المختلفة كما هو معمول به في بلدان العالم المتطور، فنحن لسنا بأقل شأن منهم.

الأحد، 11 سبتمبر 2011

للتاريخ حرمته



التاريخ هو سجل حافل بالأحداث الجميلة والحزينة وله حرمته من المنظور الأخلاقي والمهني فهو يشكل هوية كل قرية ومدينة ودولة وحضارة والحفاظ عليه هو حق للجميع وليس لأي كان الحق في تغييره أو شطبه. في بلادنا العزيزة هناك تساهل كبير بحيث يجري تغيير المعالم التاريخية لكل شيء تقريبا من مباني ومجسمات إلى مواقع ومسميات تاريخية بجرة قلم.
تنشأ المدن في العادة من بذرة أولى عبارة عن حي أو عدة أحياء متقاربة تنموا على مر التاريخ لتتشكل منها تلك المدن. مدينة القطيف مثلا تكونت من عدة أحياء تاريخية موغلة في القدم مثل القلعة والكويكب والشويكة والدبابية والمدارس والحيين التجاريين الواقعين في وسط المدينة القديمة مياس والشريعة.
معالم مدينة القطيف القديمة تلاشت في معظمها وقد تطرقت في مقال سابق بعنوان "تأهيل مراكز المدن" بأن القطيف تميزت بتراث عريق في فن العمارة وخير مثال على ذلك قلعة القطيف التي قدمت أفضل انموذج لفن العمارة الخليجي بسورها وأبراجها العالية ومبانيها وأزقتها المميزة ولكنها مع الأسف أصبحت أثرا بعد عين. حدث ذلك في بضع سنين بدأت بتهديم الأسوار ثم السكك «اسم يطلق على الأسواق المسقوفة» ثم المباني القديمة من بيوت ومساجد ومقاهي شعبية والأزقة المسقوفة المعروفة بالساباط. ما حدث في مدينة القطيف حدث مع الأسف في غيرها من المدن مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث اختفى كثير من المباني والمواقع التاريخية بتراثها الإسلامي العريق وذلك نتيجة لعدم المبالاة أو التعمد في أحيان أخرى بسبب وجهة نظر يتبناها البعض ممن يملكون القرار.
على سبيل المقارنة فقط ولأخذ الدروس والعبر، في مدينة نيوأوريانز وهي من المدن الكبيرة بأمريكا مازال يطلق على الحي القديم فيها "الحي الفرنسي" حيث أسست المدينة على يد الفرنسيين. سكان هذه المدينة يتكونون من أصول متعددة مثل الفرنسيين والإيطاليين والأسبان والأفارقة وغيرهم وتنعكس حضارة هذه الفئات المتعددة في كل شيء مثل الاستعراضات الفلكلورية والمطاعم المتنوعة التي تحاكي ذلك التعدد. هذه المدينة مثال حي على التعايش السلمي الذي وصل إلى حد الذوبان بين سكانها دون أن تلغي أي فئة الفئة الأخرى.
جهد السكان للحفاظ على المواقع التاريخية لمدينتهم كما هي وقاموا بإبراز أهم الأحداث التي مرت بها على مدى العصور. الحي الفرنسي مثلا مازال على طابعه القديم من حيث طابع المباني والأسواق والشوارع الضيقة. ميادين الحي الصغيرة تحكي ما مر بالمدينة من أحداث فتجد موقع يحكي قصة حريق شهير مع مجسمات لرجال الإطفاء الذين شاركوا في إطفاء الحريق والذين فقدوا حياتهم جراء ذلك. كما تجد المرشد السياحي وهو يجتهد ليحكي التفاصيل التاريخية الدقيقة للمدينة ومنها اضطرارهم لرفع مناسيب جميع شوارع الحي القديم دورا كاملا لمعالجة مشكلة الفيضانات التي كانت تداهمهم بشكل متكرر قبل إنشاء حاجز على امتداد النهر لحماية المدينة.
يقول فرانشيسكو باندارين مدير مركز التراث العالمي لليونسكو: من الصعب اليوم البحث عن دولة من دون تشريعات محددة للحفاظ على المناطق الحضرية والتراث العمراني. التراث العمراني لا يعكس فقط عادة تجسد القيم في "الآثار" لكنه يمثل أيضا الهويات المدنية ويعبر عن التطور التاريخي. ويقول الدكتور صالح لمعي مصطفى مدير مركز حفظ التراث المعماري الإسلامي بالقاهرة: هناك حاجة ماسة لوضع خطة رئيسية لحفظ التراث العمراني على مستوى العالم، وهذا لا يعني فقط الحفاظ على المواقع الأثرية والمباني التاريخية، ولكن أيضا الأبعاد البيئية فضلا عن العلاقات الإنسانية وفي العمق التراث غير المادي. ويقول الأستاذ بجامعة روجر ويليامز بأمريكا حسن الدين خان: الإسلام يعلمنا أننا أمناء على الأرض، لذلك من الضروري التزام الحفاظ على المباني التاريخية لأنها تحوي في داخلها ذاكرتنا الجماعية وهدم أي منها يجعلنا نفقد جزءا لا يتجزأ من هويتنا.
يعبر التراث المعماري في واقعه التاريخي عن ملامح الشخصية الحضارية في عصورها المختلفة ويحمل في مفرداته البصمات الحية لهذه الشخصية في كل مناحي الحياة. لذا فإن من المحزن جدا ضياع هذا التراث المعماري من منطلق أن العمارة هي معيار الحضارة، وعلينا العمل على الحفاظ على ما تبقى من معالم تاريخية وصيانتها لتظهر بشكل لائق وكذلك منع أي مساس بالمواقع والتسميات التاريخية كجزء من الهوية الوطنية.
لا شك أن حسن اختيار الأسماء لتتناسب مع تراث المنطقة الديني والبيئي والاجتماعي دليل على الوعي والفهم والثقافة والتميز والأصالة ورحابة الفكر. تسميات الشوارع والأحياء ينبغي أن تعكس تاريخ وتراث كل مدينة فبعض أحياء القطيف الجديدة تحمل أسماء مثل "حي الرابعة" و"حي الخامسة" وكأن المنطقة بلا تاريخ وبلا ثقافة. كان من الأولى دمج "حي الرابعة" تحت اسم "حي الجزيرة" لوقوعهما على أول شارع يربط بين مدينة القطيف وجزيرة تاروت، كذلك إطلاق اسم "حي الميناء" على "حي الخامسة" لاحتلال الحي موقع ميناء القطيف القديم. هذا أيضا ينطبق على أحياء المدن الجديدة التي من الأولى أن تعكس تعدد انتماءات وتنوع تراث سكانها وتاريخ وتراث المنطقة التاريخية المجاورة لها.

السبت، 10 سبتمبر 2011

أين الأمانة ؟؟





تستعد بلادنا العزيزة لخوض ثاني انتخابات للمجالس البلدية بعد مضي 6 سنوات على تلك التجربة الأولى من نوعها بالمملكة. بعد انتهاء أول انتخابات كتبت مقال بعنوان "الانتخابات البلدية.. آمال وتطلعات" تطرقت فيه إلى أهمية هذه الخطوة كونها تمثل بداية لمرحلة إشراك المواطن في صنع القرار. كون المجالس البلدية الأولى تأسيسية جعلها تتحمل مهام جسام لخصتها، حسب تقديري، في سبع مهام بالإمكان الإطلاع عليها في المقال السابق. أسعى في هذا المقال لتقييم التجربة الأولى بصفه عامة مع التركيز على مجلس محافظة القطيف.
واجه أعضاء المجالس البلدية عقبة أساسية وهي أن تشكيل هذه المجالس تم وفق نظام قديم مبني على المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 1397/2/21 هـ. حصر هذا النظام مهام هذه المجالس في الأمور الرقابية والاستشارية، ولم يضمن صفة التفرغ للأعضاء، كما منح صفة العضوية لرؤساء البلديات وإمكانية رئاستهم لهذه المجالس مما يتعارض مع دورها الأساسي. أرجوا أن تكون تعديلات الوزارة للنظام الحالي مصححه لهذه الإشكالات.
تفاوتت الأوضاع من مجالس تتبع لمحافظات تحظي بميزانيات ومشاريع كبيرة لذا انحصر عمل أعضائها في ترتيب الأولويات إلى مجالس صورية تسبح مع التيار لم تترك أثرا يذكر. كذلك تفاوت أعضاء المجالس من أعضاء فاعلين طرحوا أفكارهم وتفاعلوا مع باقي الأعضاء سعيا لتحقيق نتائج إلى أعضاء اقتصر دورهم على حضور بعض الاجتماعات وتوقيع المحاضر. مجلس القطيف هو الوحيد على مستوى المملكة الذي يتبع لمحافظة فقدت بلديتها كل إمكاناتها وكوادرها بعد إلحاقها بأمانة الدمام ولم يكن لها حتى ميزانية مستقلة.
من الإيجابيات حصول تفاعل مرضي بين أعضاء المجالس المنتخبين والمعينين بشكل عام كما تمييز بعض الأعضاء المعينين في أدائهم. واجه بعض المجالس صعوبات في التعامل مع الأمانات والبلديات التابعة لها كون دورها رقابي واستشاري بدرجة أولى لذا لم تتمكن بعض المجالس التأسيس بشكل مرضي لعلاقة التواصل البناء بين المجالس والمجتمع من جهة وبين المجالس والبلدية من جهة أخرى. استطاعت بعض المجالس التأسيس لعلاقة التواصل البناء فيما بينها لتبادل الخبرات والتنسيق في الأمور المشتركة.
أعتقد بأن بلدي القطيف هو من أبرز المجالس على مستوى المملكة رغم أنه لم يتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات على أرض الواقع لأسباب متعددة منها أنه مجلس تأسيسي تابع لبلدية بلا كوادر وبلا إمكانيات. استطاع مجلس القطيف التأسيس لنقلة نوعية في وضع بلدية المحافظة من خلال انجاز فصل ميزانيتها عن الأمانة. كذلك بدل أعضاءه جهودا كبيرة لتوفير ما يلزم من كوادر وإمكانات لتقوم البلدية بدورها المطلوب، وطالب بميزانية أعلى للمشاريع، وباسترجاع استراحات الأوجام لاستعمالها للمشاريع الحيوية، واسترجاع مشاتل المحافظة. فشل المجلس في تحقيق بعض مطالب المواطنين كالسماح ببناء دور الثالث بجميع مدن المحافظة وهو مطلب جوهري نظرا لشحة الأراضي وارتفاع أسعارها بشكل خيالي.
انجازات المجلس لم تلامس طموح المواطنين كما أن الاختلاف المعلن بين أعضاء المجلس في إسلوب التعامل مع البلدية بدرجة أولى عكست انطباع سيء لدى المواطنين. دل الاختلاف بين أعضاءه أولا على مستوى الحراك داخل هذا المجلس وثانيا على عدم تمكن البلدية من تحقيق المطالب بالصورة المقبولة. اختلاف وجهات النظر ليس مقلقا ولكن المقلق هو توظيف هذا الاختلاف لأهداف سلبية. كان من الأولى حصر الخلاف داخل أروقة المجلس ما أمكن والالتزام بصوت الأغلبية خارجه كما تقتضيه الممارسة الديمقراطية.
في الختام أوجه نداء لشركة أرامكو العملاقة والتي عمل فيها أبناء محافظة القطيف بجد ومثابرة لسنوات طويلة منذ تأسيسها وحتى وقتنا الحاضر باتخاذ قرارات عاجلة لدعم النمو العمراني بالمحافظة. جميع أراضي المحافظة واقعة ضمن محجوزات الشركة وكثير من مشاريع المحافظة الحيوية مثل المستشفيات والجامعات والأسواق المركزية ومقرات الأندية معطلة بسبب مشكلة الأراضي. خير مثال على ذلك تعطل مشروع مقر نادي الترجي رغم اعتماد ميزانيته بسبب عدم وجود الأرض، وكذلك تعثر المساهمات كمخطط الشبيلي الذي لم يتم حتى الآن إفراغ حجج الاستحكام للمواطنين رغم مضي أكثر من ست سنوات على المزاد الرسمي عليه بسبب مشكلة بين مطوري المخطط والشركة لا دخل للمواطنين بها.
كما اعلق على تصريحات معالي أمين الدمام وسعادة رئيس بلدية محافظة القطيف حول مشاريع المحافظة وهي في الواقع تكرار لتصاريح درجنا على سماعها لسنوات طويلة مع بعض التعديلات الطفيفة. المشاريع هي ذاتها سوق الأسماك المركزي والذي يبدوا انه بحاجة لعشر سنوات أخرى ليرى النور وتطوير لطرق المحافظة الذي لم يتعدى سوى تعديلات هنا وهناك لم تحل بصورة جوهرية مشاكل الحركة المرورية داخل المحافظة فالأزمة المرورية تتفاقم بشكل متسارع.
مواطني القطيف لاشك يقارنون نصيب محافظتهم من المشاريع بالمحافظات من حولهم وهذه المقارنة ليست بحاجة إلى أرقام وتقارير فالفارق كبير يراه سكان المحافظة يوميا في طريق ذهابهم وإيابهم بين المحافظات. هذا ليس حسدا منهم لباقي المحافظات ولكن طلبا للإنصاف والعدل، قال تعالى:﴿ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ، وليس محصورا فقط في الخدمات البلدية بل في جميع الخدمات التي تقدمها الوزارات الأخرى. خيرات البلد ليست حكرا على محافظة دون غيرها ولا فئة من المواطنين دون فئة أخرى وهذا ما يصرح به ويؤكد عليه قادة هذه البلاد الخيرة التي غطت خيراتها خارج الوطن والأقربون أولى بالمعروف.
لماذا جميع أسواق الخضار واللحوم بالمحافظة أسواق متهالكة لا تعكس التطور الحضاري الذي تعيشه المملكة؟ أين دور الأمانة في إيجاد أراضي للمشاريع الحيوية بالقطيف وأين دورها في بناء المرافق الأساسية؟ أين دور الأمانة في تطوير ضاحية القطيف في الوقت الذي بلغت فيه أسعار الأراضي السكنية بالمحافظة أرقاما فلكية قارب 2000 ريال للمتر المربع الواحد؟

الخميس، 8 سبتمبر 2011

أنصاف الحلول



قرأت خبر نقل "سوق واقف" من الموقع السابق العشوائي إلى موقع سوق الخميس القريب منه وأنا هنا أسجل تأييدي لفكرة النقل هذه.
ولكن ماهي "سوق واقف" بالقطيف وكيف نشأت؟ وهل قدمت بلديتنا الموقرة حلا شاملا لترتيب هذه السوق بالشكل المطلوب والمقبول؟
تميزت الحركة التجارية في القطيف قديما بالأسواق المنظمة مثل "السكة العودة" و"سكة الحرية" جنبا إلى جنب مع الأسواق شبه النظامية والأسواق الشعبية مثل "سوق الجبلة" التاريخي وأسواق اللحوم والأسماك والفواكه والخضار. إضافة لذلك يوجد في المحافظة واحد من أشهر الأسواق الشعبية بالمنطقة وهو السوق التاريخي الذي ينعقد أيام الخميس من كل أسبوع والمشهور ب"سوق الخميس" وهو مازال مستمرا حتى وقتنا الحاضر.
مع تطور الزمن اتخذت البلدية بعض الإجراءات لتنظيم الأسواق الشعبية حيث أوجدت مقرا رسميا لسوق الخميس الشعبي، ثم قامت برصفه وانارته وتوفير مظلات خرسانبة ودورات مياه، كما عملت على مراقبة المعروضات في السوق وخصوصا المواد الغذائية.
مع ازدياد إعداد السكان واتساع العمران انتشرت أسواق شعبية يومية متنقلة في جميع إنحاء المحافظة. غير إن الحاجة الملحة لوجود موقع ثابت لبيع الأثاث والأجهزة المستعملة وما إلى ذلك أدى لتكون سوق يومي أطلق عليه لاحقا "سوق واقف" بدأ صغيرا حتى انتهى به المطاف إلى موقع ترابي شمال سوق الخميس الشعبي حيث اتسع أكثر وأكثر في المساحة والمعروضات ليشمل جميع ما يحتاجه الناس من مأكل وملبس وكماليات.
مع الوقت أصبح سوق واقف جزءا مكملا لمعيشة المواطنين وحاجاتهم. فلو ألقينا نظرة على بعض تفاصيله نجد إن اغلب الباعة في السوق هم من المواطنين ذوي الدخل المحدود سواء كانوا آباء يعيلون أسرا متعددة الأفراد أو شباب مكافحين وجدوا في السوق حلا ولو مؤقتا لحين توفر فرص عمل مناسبة على الرغم من أن البعض منهم لديهم مؤهلات علمية. كما نجد تنوع في رواد السوق من ميسوري الحال الذين يجدون ما يحتاجونه من بضائع بأفضل الأسعار أو من ذوي الدخل المحدود الذين يجدون في سوق واقف أسعار أكثر قبولا لديهم.
الأسواق الشعبية متواجدة في كثير من دول العالم. فمثلا تكاد لاتخلوا مدينة أو بلدة هولندية من موقع يطلق عليه "السوق الكبير" وهو سوق شعبي منظم ونظيف يباع فيه تقريبا كل شيء، من أثاث المنازل المستعملة والكماليات إلى الفواكه والخضروات والأسماك. كما تجد في اسبانيا واستراليا مثلا أسواق شعبية متنقلة تعقد يوميا أو اسبوعيا داخل المدن، تتسم هذه الأسواق بالتنظيم وتعد إحدى سمات الاقتصاد والسياحة لهذه البلدان.
تأييدي لنقل سوق واقف إلى موقع سوق الخميس ينطلق من عدة أسباب من أهمها كون سوق واقف غير نظامي ومرتع للعمالة الوافدة السائبة ولبيع المواد المخلة بالآداب. كذلك وجود سوق واقف في موقع يخلوا من مقومات السلامة، فالموقع عشوائي جدا، غير منظم وغير مرصوف، وملئ بالأتربة والغبار، ويخلو من المظلات ودورات المياه ومراقبة المعروضات.
لكن قرار البلدية بنقل سوق واقف أتى ناقصا، فهو في الواقع لم يوفر حلا جدريا للمشكلة. ما حدث إن البلدية وفرت مواقع في سوق الخميس لبعض أنشطة سوق واقف لقاء دفع أجارات باهظة نسبيا وأجبرت البعض الآخر وبالخصوص بائعي المواد الغذائية على التوقف عن البيع أو الانتقال لممارسة إعمالهم في الأسواق الرسمية. ولكن هؤلاء الباعة لم يوافقوا على ذلك إما لعدم توفر مواقع لهم في الأسواق الرسمية أو لعدم مقدرتهم على دفع الأجور الباهظة للبلدية. نتيجة لذلك انتقل هؤلاء الباعة الى مواقع عشوائية أخرى واستمروا في البيع في نفس ظروف سوق واقف.
المشكلة التي يواجهها المواطنين في محافظة القطيف إن كل الأسواق الرسمية الخاضعة للبلدية بما فيها أسواق الأسماك والفواكه والخضروات تنعدم فيها متطلبات السلامة مع كون سوق واقف الأسوأ. كما إن الأسواق العشوائية لا تقتصر على سوق واقف بل أصبحت منتشرة بين الأحياء وعلى جوانب الشوارع.
لاشك إن خطوة البلدية هي في الاتجاه الصحيح ولكن ذلك يتطلب خطوات عاجلة أخري منها:
- تخفيض الأجور في الأسواق التابعة للبلدية مراعاة لوضع البائعين المادية والأسرية.
- تشديد الرقابة على العمالة الوافدة السائبة لمنعها من مزاولة أي نشاط في هذه الأسواق واتخاذ الإجراءات النظامية بحقها.
- العمل على إعادة إنشاء أسواق البلدية بشكل حضاري يتناغم مع التطور الحاصل في المنطقة.
- تطوير جزء من موقع سوق الخميس بشكل يلاءم متطلبات بيع المواد الغذائية لتوفير خدمة متكاملة للبائعين ورواد السوق وليكون موقع دائم ومناسب لسوق واقف مع مراعاة اصول السلامة والنظام والرقابة الوقائية.
- فتح أسواق فرعية في الأحياء الكبيرة للمدن لبيع الأسماك والفواكه والخضروات بايجارات مناسبة
- حصر الأسواق الشعبية بحيث يقتصر ذلك على موقع واحد لكل مدينة او بلدة مع تنظيمها في ساحات مناسبة يراعى فيها اصول السلامة والنظام والرقابة الوقائية.

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

كل من عليها فان



ابدأ مقالي هذا بالثناء على الجهود التطوعية الجبارة التي تقوم بها "لجنة كل من عليها فان" لخدمة المقابر والمغتسلات في قطيفنا الحبيبة. أسس هذه اللجنة شريحة من أبناء المجتمع عام 1430 هـ بعد أن لاحظوا تدني الخدمات الخاصة بالمقابر والمغتسلات من حيث النظافة وتوفير المستلزمات الضرورية. أخذ هؤلاء الأخوة المؤمنين المتطوعين على عاتقهم العناية بالمغتسلات والمقابر وشئون الموتى، لسد حاجة المجتمع وهم لا يرجون إلا الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، ويعملون الآن بجد ونشاط لإنجاز مهام اللجنة ومنها:
1. العناية بكل ما يتعلق بالمقابر والمغتسلات.
2. إصدار دليل عملي في كيفية تجهيز الموتى.
3. توعية المجتمع بالإجراءات الرسمية المتعلقة بالموتى.
4. التخفيف على الأهالي وتسهيل الإجراءات الشرعية والنظامية بالتعاون مع الجهات المعنية.
لاشك بأن تحقيق هذه الأهداف بحاجة ماسة إلى تفاعل أبناء المجتمع مع اللجنة عمليا وماديا ومعنويا. كما أنه بحاجة إلى تفعيل دور البلدية للقيام بواجبها في عملية إدارة وتنظيم مقابر ومغتسلات المحافظة بشكل أفضل.
المقابر في محافظة القطيف موغلة في القدم ويبلغ عددها حتى الآن 34 مقبرة. لا تكاد تخلوا مدينة أو بلدة من مقبرة أو أكثر ولكنها في الغالب ذات مساحات صغيرة تتوافق مع إعداد السكان في الأزمنة الغابرة.
قليل من مقابر المحافظة تمددت في المناطق المفتوحة المتاحة من حولها، غير إن أكثر المقابر بقيت على وضعها بسبب انعدام الفراغات من حولها لوجودها في مناطق مأهولة بالسكان ومكتظة بالمنشآت. هذا الوضع اوجد مشكلة بدأت تتفاقم شيئا فشيئا وهي عدم وجود مساحات كافية في كثير من المقابر تتناسب مع المعدل المتنامي لأعداد الموتى في المحافظة كنتيجة حتمية للزيادة المطردة في اعداد السكان.
مقبرة الشويكة، وهي احدى المقابر القديمة الواقعة جنوب مدينة القطيف وتخدم رغم صغر مساحتها أحياء عديدة في المدينة، واحدة من هذه المقابر التي تعاني الآن من ضيق شديد في المساحة لدرجة التلاصق الشديد لقبور الموتى ببعضها الآخر وانعدام الممرات فيما بينها. كانت المقبرة حتى عهد قريب محاطة بغابات من النخيل والمزارع، غير انه ونتيجة للنمو السكاني والعمراني المطرد أصبحت الآن محاطة بالمنشآت من جميع الجهات.
ما زاد الوضع سوءا أن المقبرة مجزأة إلى ثلاث أقسام تفصل بينها شارع رئيسي «يسمى "ابن المغترب" كما يبدو» وشارع آخر ضيق ادمج مؤخرا والجزء الثالث من المقبرة مع القسم الغربي بعد جهود مشكورة من بعض الإخوة المؤمنين وبالتنسيق مع بلدية محافظة القطيف وجمعية القطيف الخيرية والجهات المعنية الأخرى.
شارع ابن المغترب، وهو جزء من أول شارع تم إنشاءه لربط وسط مدينة القطيف بمدينة الدمام ومدن أخرى، يمر في وسط المقبرة قاسما إياها إلى نصفين رئيسيين. أتذكر والدي رحمه الله تعالى دائما يتأوه وهو يقول عند مروره بالمقبرة بأن قبر جدي رحمه الله تعالى يقع على طرف الشارع قرب سور القسم الشرقي للمقبرة. كما أتذكر بأن رجل السماحة الشيخ علي المرهون رحمه الله تعالى امتنع حتى وفاته من المرور على هذا الشارع الذي يخترق المقبرة على اعتبار انه جزء من المقبرة ويجب أن يعاد إليها.
لاشك أن هناك جهود تبدل من بلدية محافظة القطيف وجمعية القطيف الخيرية منها المشروع الأخير لتسوير مقابر المحافظة وإنشاء مغتسلات جديدة. لكن هذه الجهود ليست كافية ولا تعالج المشكلة الرئيسية وهي صغر مساحة اغلب مقابر المحافظة، وهي مشكلة تتفاقم سنة بعد أخرى. ما أخشاه ان تتحول بعض هذه المقابر، لاسمح الله، بسبب صغر مساحاتها الى ادوار متعددة لاستيعاب الموتى.
أختم مقالي بمقترحات موجهة لبلدية القطيف والجهات المعنية الأخرى لايجاد خطة لتحسين وضع المقابر في المحافظة يشمل التالي:
1. توسعة المقابر الحالية بإضافة ما حولها من مساحات فضاء، إن وجدت، أو من خلال نزع ملكية المباني القديمة المحيطة بهذه المقابر.
2. تحقيق الدمج المرتقب لمقبرة الشويكة من خلال تحويل جزئي لمسار شارع ابن المغترب بعيدا عن المقبرة. وهنا أود الاشاره إلى أن مدينة القطيف القديمة، المحصورة بين شارعي أحد شمالا والرياض جنوبا، لا يوجد بها رغم اتساعها سوى شارعين للحركة بين شرق المدينة وغربها، وهما شارعي الخليفة عمر وبدر «جعفر الخطي سابقا» المتقاربين في وسط المدينة القديمة والمتعاكسين في الاتجاه. لذا اقترح التالي:
- مد شارع جديد يبدأ من شارع بدر، قرب تقاطعه مع شارع الملك فيصل، ويتجه شرقا في مسار جنوب مغتسل الدبابية ومقبرة الشويكة ليقطع شارع الملك عبد العزيز ويستمر شرقا حتى شارع الجزيرة. هذا الشارع المقترح سيفك الاختناقات المرورية في القسم الجنوبي للمدينة القديمة ويخدم الحركة بين شرق المدينة وغربها ويسهل تحقيق الدمج المرتقب لمقبرة الشويكة.
- مد شارع المدينة المنورة «البستان»، من تقاطعه مع شارع الملك عبد العزيز، شرقا ليلتقي بشارع الفتح قرب تقاطعه مع شارع الجزيرة. هذا الشارع المقترح سيفك الاختناقات المرورية في القسم الشمالي للمدينة القديمة ويخدم الحركة بين شرق المدينة وغربها.
3. تحديد أراضي واسعة في مواقع مختلفة من المحافظة لإنشاء مقابر جديدة.

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الانتخابات البلدية.. امال وتطلعات



لقد دخلت بلادنا العزيزة بداية مرحلة جديدة بانشاء المجالس البلدية واختيار نصف اعضائها عن طريق الاقتراع.  بهذه الخطوة تبدأ مرحلة اشراك المواطن في صنع القرار.  لقد عاش مجتمعنا في الأشهر القليلة الماضية تجربة هي الأولى من نوعها للكثير منا وأصبح المجتمع يتعامل مع مفردات جديدة كان فقط يسمع بها في الماضى .  باعتقادي بأن الأجواء التى سادت العملية الانتخابية هي أجواء مرضية الى حد معقول اذا أخذنا بعين الأعتبار أنها تجرى للمرة الأولى بالاضافة لتنوع انتماءات المجتمع وخلفياتهم الثقافية.  بانتهاء فترة الحملات الانتخابية أصبح هناك فائزون بعضوية المجالس البلدية واخرون لم يتمكنوا لسبب أو اخر من الحصول على هذه العضوية.  الجميل أنه على الأقل بعض ممن لم يحصلوا على العضوية كانو سباقين لتهنئة الفائزين وهذا يدل بلا شك على ما يمتلكه المجتمع من وعي ونضج. 
لقد حصل الفائزون على عضوية المجالس بقرار الناخبين وفقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية التي يجب على الجميع احترامها وقبول نتائجها بروح رياضية.  نحن الان بانتظار قائمة المعينين والتى باعلانها سيكتمل تكوين المجالس البلدية على أمل أن تبدء نشاطاتها في القريب العاجل.
كما ذكرت سابقا، فان أعضاء المجالس المنتخبين فازوا بأصوات الناخبين و أعضاء المجالس المعينين فازوا بثقة المسئولين وهم جميعا يحملون مسئوليات كبيرة لتحقيق امال المواطنين وأهداف المسئولين.  المجالس البلدية الأولى يقع على عاتقها مهام جسام باعتبارها مجالس تأسيسية و نجاح أعضاء المجالس البلدية في تحقيق هذه المهام منوط بقدرة هذه المجالس على تجاوز الحواجز البيروقراطية القائمة، وتخطي الآليات البطيئة السائدة في الجهاز البلدي.  باعتقادي ان عمل المجالس البلدية التأسيسية لابد من أن يشتمل على الأهداف التالية:
أولا: العمل على وضع حجر الأساس الصحيح لنشاطات المجالس البلدية المتتابعة القادمة وهو أهم هدف يلزم انجازه وهذا يستوجب تأسيس حالة انسجام بين أعضاء المجالس المنتخبين والمعينين، الذي هو الشرط الأول لنجاح المجالس البلدية.  علي الأعضاء من منتخبين و معينين العمل كفريق واحد وعلى قدم المساواة من أجل المصلحة العامة.   على الأعضاء جميعا أن يحققوا التوازن المطلوب بين امال المواطنين وأهداف المسئولين.
ثانيا: التأسيس لعلاقة التواصل البناء بين المجالس بجميع أعضائها والمجتمع من جهة وبين المجالس بجميع أعضائها والبلدية من جهة اخرى.  وجود هذه العلاقة المتبادلة يسهل عملية صياغة الأفكار وطرحها للنقاش مع الأخذ بعين الاعتبار محاولة تطويع  الأنظمة والقوانين البلدية>
ثالثا: العمل على تطوير اجراءات البلدية والتى تمس المواطن بصورة مباشرة لتكون سلسة وتتماشى مع الطفرة الالكترونية.
رابعا: وضع التصورات لتطور المحافظات على المستوى المنظور والذي في العادة يمتد ل 20 سنة قادمة والذي ينطلق من خلالها تحديد ما تحتاجه المحافظات من مشاريع تنموية.  ان التطوير الحضاري لأي منطقة يحتاج الى دراسات يحدد من خلالها الاتي:
1-مراحل التطور والنمو التأريخي للمنطقة.
2-وضع المنطقة من حيث استخدامات الأراضي و حركة السير بأنواعها.
3-عوائق النمو والتطور من حواجز طبيعية وغير ذلك.
4-مستوى النمو السكاني وتوزيعه.
5-وامكانيات التطور من الناحية الاقتصادية والاسترتيجية.
بناء على هذه المعطيات تحدد طريقة نمو المنطقة موضع الدراسة واستخدامات الأراضي و حركة السير المستقبلية.  ان عملية وضع مثل هذه الدراسات يعتبر الأساس لأي عملية تخطيطية سليمة وتسهل عمل أعضاء المجالس والبلديات.  لاشك بأن مثل هذه الدراسات تحتاج الى عملية مراجعة وتنقيح كل بضع سنوات تبعا لسرعة وبطىء التغيير في المنطقة موضع الدراسة.
خامسا: على المجالس البلدية أن تراعي عند وضع خطط النمو المحافظة على البيئة الطبيعية واظهار هوية كل مدينة وبلدة مع تحديد مراكز حضارية واضحة المعالم لها.  كذلك وضع اسس ومواصفات جديدة للمباني بأنواعها مستمدة من تأريخ المنطقة وهويتها الثقافية، وتنسيق استعمالات الأراضي فيها ما أمكن بصورة أفضل بما في ذلك التركيز على تقديم خدمات بلدية أفضل لكل حي مثل الأسواق المركزية الحديثة والحدائق في الأحياء الكبيرة.
 سادسا: العمل على وضع أولويات ادراج تنفيذ المشاريع المحددة وفق الدراسة المذكورة أعلاه ليتم تنفيذها حسب الامكانات المتاحة.  هنا قد يحتاج أعضاء المجلس لطلب زيادة المخصصات للمشاريع تبعا لسرعة التغيير في المنطقة المعنية.
سابعا: التأسيس لعلاقة التواصل البناء بين المجالس في المحافظات القريبة لتبادل الخبرات والتنسيق في الأمور المشتركه.
في الختام أدعوا الله تعالى أن يوفق جميع أعضاء المجالس البلدية وأن يسدد خطاهم لتحقيق امال المواطنين وأهداف المسئولين كما أرجوا من الله تعالى أن يحفظ بلادنا العزيزة من كل مكروه وأن يسود التعاون بين جميع شرائح المجتمع.

السبت، 3 سبتمبر 2011

معوقات النمو في محافظة القطيف ... وحلولها



محافظة القطيف هي إحدى مناطق المملكة العربية السعودية الموغلة في القدم حيث تشكل مع المحافظة التوأم الأحساء أهم المناطق المأهولة في المنطقة الشرقية. في الماضي القريب كانت منطقة القطيف تمتد شمالا الى بلدة الجبيل وجنوبا حتى جبال الظهران وشرقا حتى شواطئ الخليج العربي وتمتد غربا في أعماق الصحراء.
 مع اكتشاف البترول بدأت طفرات من النمو تعم منطقة القطيف حيث ظهرت مدينة الظهران وتطورت بشكل سريع نظرا لاتخاذها كمقر رئيسي لما أصبح لاحقا أكبر شركة بترول في العالم؛ وظهرت مدينة رأس تنورة وتطورت بشكل سريع نظرا لاتخاذها كميناء رئيسي لتصدير البترول وكمقر لمصفاة البترول.  كما نمت بلدة الدمام نموا مطردا وخصوصا بعد اتخاذها عاصمة للمنطقة الشرقية بدلا من الأحساء وانتقال المؤسسات الحكومية الرئيسية إليها من الأحساء والقطيف وخصوصا الميناء التجاري؛ ونمت بلدة الخبر نموا مطردا لقربها من الظهران وانتقال ميناء المسافرين إليها وأصبحت لاحقا مقر رئيسي للمكاتب الهندسية والاستشارية وسكن كبار الموظفين الأجانب القادمين من أمريكا وأوربا.  ولاحقا نمت بلدة الجبيل بشكل مطرد بعد اتخاذها مقرا رئيسا للصناعات الحديثة.
مع مرور الوقت نمت المناطق المحيطة بمنطقة القطيف وعندما صدر القرار بتقسيم المنطقة الشرقية الى محافظات امتدت محافظتي الجبيل ورأس تنورة حتى حدود مدينة صفوى الشمالية وامتدت محافظة الدمام شمالا حتى حدود مدينة سيهات الجنوبية وبعد إنشاء مطار الدمام الدولي إلى الغرب من القطيف تقلصت حدود محافظة القطيف الى شارع أبو حدرية غربا.  نتج عن ذلك تقلص مساحة محافظة القطيف شيئا فشيئا إلى حدود الواحة الزراعية أو أقل من ذلك وأصبحت الآن ثاني أصغر محافظة من حيث المساحة على مستوى المنطقة الشرقية مع أن ترتيبها الثالثة على مستوى المنطقة الشرقية من حيث تعداد السكان وفق اخر تعداد سكاني رسمي.  وقد أدى ذلك الى ظهور مشكلة محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني بالمحافظة.   
و زاد من تعقيد المشكلة أنه مع اكتشاف البترول في المنطقة ظهرت الحاجة إلى مد أنابيب بترول عملاقة لربط حقول البترول والمعامل الرئيسية المختلفة بميناء رأس تنورة حيث أصبحت أنابيب البترول تشق محافظة القطيف في كل الاتجاهات.  كما تم تطوير حقل القطيف عن طريق إنشاء معامل فرز الغاز من الزيت وحفر الآبار البترولية مما أدى إلى تقليص المساحة القابلة للتطوير العمراني بشكل كبير يقابله نمو مطرد في السكان ومتطلبات النمو السكاني. 
إفرازات محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني أدت إلى كثير من المعوقات والآثار السلبية على النمو العمراني بمحافظة القطيف نلخص بعضا منها في الآتي:
أولا: نتيجة للنمو الطبيعي للسكان فقد زاد الطلب على شراء الأراضى السكنية ونتيجة لمحدوديتها والضوابط التى سنتها الدولة بمنع التمدد على حساب الرقعة الزراعية؛ أدى ذلك الى ارتفاع شديد في أسعار الأراضي بمحافظة القطيف مقارنة بالمحافظات الأخرى.  نتيجة لذلك ولعدم وجود بدائل مناسبة فقد زادت الضغوط على أجهزة الدولة وتحولت الأراضى الزراعية الى سكنية وبالتالى تقلصت الرقعة الزراعية بشكل كبير ومستمر.
ثانيا: كأحد الحلول لتوفير الأراضي السكنية وحل مشكلة الاختناق السكاني فقد تم التوجه لدفن البحر مما سبب في القضاء على أشجار القرم التى تعد الأكبر على مستوى المنطقة وبالتالي تدمير البيئة الطبيعية ومناطق توالد وتكاثر الثروة السمكية. دفن البحر أيضا أدى إلى تغيير جغرافيا المنطقة التي تمثل ثروة سياحية وطبيعية امتدت لالاف السنين.  وكذلك تسبب في ضحالة البحر وخصوصا في المنطقة الواقعة بين مدينة القطيف وجزيرة تاروت وشبه تلاشيه مما جعله غير صالح لحركة سفن صيد الأسماك وأدى الى ظهور الروائح الكريهة وخصوصا عند فترات الجزر.
ثالثا: محدودية وجود الأراضي هو أحد الأسباب الرئيسية التى أعاقت وتعيق تأسيس كثير من المشاريع الحيوية رغم وجود ميزانيات معتمدة في بعض الحالات.  لذا تلاحظ خلو المحافظة رغم الكثافة السكانية العالية بها من وجود منطقة صناعات خفيفة وسوق خضار مركزي وموقع رسمي للحراج وسوق للمواشي ومسلخ رئيسي وكليات وجامعات حتى الأهلية.  بل أدى ذلك لعدم تطوير السوق المركزي للأسماك والذي يعد الأهم والأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط. كما تجد خلو المحافظة رغم توغلها في القدم من أي منشئات سياحية بما فيها المتنزهات والملاهي والفنادق.
مما لا شك فيه فان محدودية الأراضي بالمحافظة ستزداد يوما بعد اخر مما يحتم دراسة المشكلة بشكل جدي لايجاد الحلول المناسبة والتى في اعتقادي قد تشمل الاتي:
أولا: إعادة النظر في حدود محافظة القطيف وتوسيعها شمالا وغربا بشكل يتماشى مع حاجات النمو السكاني الطبيعي على المدى المنظور.
ثانيا: عمل دراسات للتخطيط العمراني لتحديد طرق نمو المحافظة.  بناء على هذه الدراسات تحدد الأراضي المناسبة لتأسيس المرافق الكبيرة كالمستشفيات والجامعات وغيرها. 
ثالثا: إيقاف دفن البحر والتمدد على حساب الرقعة الزراعية نظرا لآثاره البيئية السيئة. 
رابعا: الحد من الآثار الناتجة من وجود المنشات البترولية ونقلها ما أمكن بعيدا عن مناطق النمو السكاني الرئيسية؛ اضافة الى زيادة مشاركة الشركات المستفيدة في التنمية المحلية «مؤسسات النفع العام المدنية» في تطوير المحافظة بما يتناسب مع حجم ايراداتها والمعوقات التى تتسبب بها.
خامسا: التخفيف من بعض القيود والأنظمة مراعاة لوضع المحافظة لتسهيل تنفيذ المشاريع الحيوية الكبيرة ومنها السماح بالنمو العمودي عوضا عن التمدد الأفقي؛ وبهذا يصبح بالامكان اقامة منشات الخدمات العامة على مساحات أصغر وبناء مساكن أكثر من دورين.
ختاما، يحذوني الأمل بأن تنال هذه المقترحات القدر الكافي من عناية المسئولين وأن تأخذ طريقها للتنفيذ لما فيه من تحقيق للمصلحة العامة.