السبت، 3 سبتمبر 2011

معوقات النمو في محافظة القطيف ... وحلولها



محافظة القطيف هي إحدى مناطق المملكة العربية السعودية الموغلة في القدم حيث تشكل مع المحافظة التوأم الأحساء أهم المناطق المأهولة في المنطقة الشرقية. في الماضي القريب كانت منطقة القطيف تمتد شمالا الى بلدة الجبيل وجنوبا حتى جبال الظهران وشرقا حتى شواطئ الخليج العربي وتمتد غربا في أعماق الصحراء.
 مع اكتشاف البترول بدأت طفرات من النمو تعم منطقة القطيف حيث ظهرت مدينة الظهران وتطورت بشكل سريع نظرا لاتخاذها كمقر رئيسي لما أصبح لاحقا أكبر شركة بترول في العالم؛ وظهرت مدينة رأس تنورة وتطورت بشكل سريع نظرا لاتخاذها كميناء رئيسي لتصدير البترول وكمقر لمصفاة البترول.  كما نمت بلدة الدمام نموا مطردا وخصوصا بعد اتخاذها عاصمة للمنطقة الشرقية بدلا من الأحساء وانتقال المؤسسات الحكومية الرئيسية إليها من الأحساء والقطيف وخصوصا الميناء التجاري؛ ونمت بلدة الخبر نموا مطردا لقربها من الظهران وانتقال ميناء المسافرين إليها وأصبحت لاحقا مقر رئيسي للمكاتب الهندسية والاستشارية وسكن كبار الموظفين الأجانب القادمين من أمريكا وأوربا.  ولاحقا نمت بلدة الجبيل بشكل مطرد بعد اتخاذها مقرا رئيسا للصناعات الحديثة.
مع مرور الوقت نمت المناطق المحيطة بمنطقة القطيف وعندما صدر القرار بتقسيم المنطقة الشرقية الى محافظات امتدت محافظتي الجبيل ورأس تنورة حتى حدود مدينة صفوى الشمالية وامتدت محافظة الدمام شمالا حتى حدود مدينة سيهات الجنوبية وبعد إنشاء مطار الدمام الدولي إلى الغرب من القطيف تقلصت حدود محافظة القطيف الى شارع أبو حدرية غربا.  نتج عن ذلك تقلص مساحة محافظة القطيف شيئا فشيئا إلى حدود الواحة الزراعية أو أقل من ذلك وأصبحت الآن ثاني أصغر محافظة من حيث المساحة على مستوى المنطقة الشرقية مع أن ترتيبها الثالثة على مستوى المنطقة الشرقية من حيث تعداد السكان وفق اخر تعداد سكاني رسمي.  وقد أدى ذلك الى ظهور مشكلة محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني بالمحافظة.   
و زاد من تعقيد المشكلة أنه مع اكتشاف البترول في المنطقة ظهرت الحاجة إلى مد أنابيب بترول عملاقة لربط حقول البترول والمعامل الرئيسية المختلفة بميناء رأس تنورة حيث أصبحت أنابيب البترول تشق محافظة القطيف في كل الاتجاهات.  كما تم تطوير حقل القطيف عن طريق إنشاء معامل فرز الغاز من الزيت وحفر الآبار البترولية مما أدى إلى تقليص المساحة القابلة للتطوير العمراني بشكل كبير يقابله نمو مطرد في السكان ومتطلبات النمو السكاني. 
إفرازات محدودية الأراضي القابلة للتطوير العمراني أدت إلى كثير من المعوقات والآثار السلبية على النمو العمراني بمحافظة القطيف نلخص بعضا منها في الآتي:
أولا: نتيجة للنمو الطبيعي للسكان فقد زاد الطلب على شراء الأراضى السكنية ونتيجة لمحدوديتها والضوابط التى سنتها الدولة بمنع التمدد على حساب الرقعة الزراعية؛ أدى ذلك الى ارتفاع شديد في أسعار الأراضي بمحافظة القطيف مقارنة بالمحافظات الأخرى.  نتيجة لذلك ولعدم وجود بدائل مناسبة فقد زادت الضغوط على أجهزة الدولة وتحولت الأراضى الزراعية الى سكنية وبالتالى تقلصت الرقعة الزراعية بشكل كبير ومستمر.
ثانيا: كأحد الحلول لتوفير الأراضي السكنية وحل مشكلة الاختناق السكاني فقد تم التوجه لدفن البحر مما سبب في القضاء على أشجار القرم التى تعد الأكبر على مستوى المنطقة وبالتالي تدمير البيئة الطبيعية ومناطق توالد وتكاثر الثروة السمكية. دفن البحر أيضا أدى إلى تغيير جغرافيا المنطقة التي تمثل ثروة سياحية وطبيعية امتدت لالاف السنين.  وكذلك تسبب في ضحالة البحر وخصوصا في المنطقة الواقعة بين مدينة القطيف وجزيرة تاروت وشبه تلاشيه مما جعله غير صالح لحركة سفن صيد الأسماك وأدى الى ظهور الروائح الكريهة وخصوصا عند فترات الجزر.
ثالثا: محدودية وجود الأراضي هو أحد الأسباب الرئيسية التى أعاقت وتعيق تأسيس كثير من المشاريع الحيوية رغم وجود ميزانيات معتمدة في بعض الحالات.  لذا تلاحظ خلو المحافظة رغم الكثافة السكانية العالية بها من وجود منطقة صناعات خفيفة وسوق خضار مركزي وموقع رسمي للحراج وسوق للمواشي ومسلخ رئيسي وكليات وجامعات حتى الأهلية.  بل أدى ذلك لعدم تطوير السوق المركزي للأسماك والذي يعد الأهم والأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط. كما تجد خلو المحافظة رغم توغلها في القدم من أي منشئات سياحية بما فيها المتنزهات والملاهي والفنادق.
مما لا شك فيه فان محدودية الأراضي بالمحافظة ستزداد يوما بعد اخر مما يحتم دراسة المشكلة بشكل جدي لايجاد الحلول المناسبة والتى في اعتقادي قد تشمل الاتي:
أولا: إعادة النظر في حدود محافظة القطيف وتوسيعها شمالا وغربا بشكل يتماشى مع حاجات النمو السكاني الطبيعي على المدى المنظور.
ثانيا: عمل دراسات للتخطيط العمراني لتحديد طرق نمو المحافظة.  بناء على هذه الدراسات تحدد الأراضي المناسبة لتأسيس المرافق الكبيرة كالمستشفيات والجامعات وغيرها. 
ثالثا: إيقاف دفن البحر والتمدد على حساب الرقعة الزراعية نظرا لآثاره البيئية السيئة. 
رابعا: الحد من الآثار الناتجة من وجود المنشات البترولية ونقلها ما أمكن بعيدا عن مناطق النمو السكاني الرئيسية؛ اضافة الى زيادة مشاركة الشركات المستفيدة في التنمية المحلية «مؤسسات النفع العام المدنية» في تطوير المحافظة بما يتناسب مع حجم ايراداتها والمعوقات التى تتسبب بها.
خامسا: التخفيف من بعض القيود والأنظمة مراعاة لوضع المحافظة لتسهيل تنفيذ المشاريع الحيوية الكبيرة ومنها السماح بالنمو العمودي عوضا عن التمدد الأفقي؛ وبهذا يصبح بالامكان اقامة منشات الخدمات العامة على مساحات أصغر وبناء مساكن أكثر من دورين.
ختاما، يحذوني الأمل بأن تنال هذه المقترحات القدر الكافي من عناية المسئولين وأن تأخذ طريقها للتنفيذ لما فيه من تحقيق للمصلحة العامة.

هناك تعليق واحد:

اكتب تعليقك في الحقل بالأسفل ، وذلك بعد اختيار عنوان URL ، واكتب بريدك الالكترواني مكان الرابط ، او يمكنك اختيار مجهول ، وكتابة اسمك ضمن التعليق ..